للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بحضوره بالسّياط إلى أن قارب الهلاك، وثنّى بأخيه كذلك، ثم أخرجا وقطعت أيديهما وسلّت ألسنتهما من أقفيتهما، وصلبا على بابى زويلة الأول والثانى (١) فأقاما زمانا ثم وضعا.

وكان سبب قتلهما أنهما كانا من الكتاب فنبغا وتوصّلا بالحافظ، فاستخدمهما فى ديوان الجيش، فوثبا على رؤساء الدّولة وأعيان كتّابها وخواصّ الخليفة من الأستاذين المحنّكين، مثل الأجلّ الموفّق كاتب الدّست (٢) - وكان موضع سرّ الخليفة ومحلّ مشورته فى الأمور العظام من أحوال الممالك - ومن يليه، كالقاضى المرتضى المحنّك (٣)، والخطير ابن البوّاب، وتجرّءا على المذكورين وغيرهم مع قلّة دربة. فكثر حسّادهما وعمل عليهما فيما يخرج للأمراء والمقطعين من الخروجات فى كل سنة، ويشتمل الخرج على نعوت ذلك الأمير، فيصير ذلك الخرج إلى عامل الإقطاعات، وهو تحته. فذكرا فى أحد الخروجات كلاما طريفا ليؤخذ عليه خطّهما ليوقف عليه الخليفة حتّى يتبيّن له جهلهما، وهو: «حبطست حبطست، وفى النهر قد غطست، بغلالة أرجوان، صفراء بزعفران». فمشى عليهما ذلك وترجما الخرج بخطّهما؛ وخرج من أيديهما، فأحضر إلى الأجل الموفّق ابن الحجّاج، كاتب الدّست؛ فأخذه ودخل به إلى الخليفة الحافظ، وقال: يا مولانا، الأمثال مضروبة بحفظ ديوان هذه الدولة ومن يتولاّها، فكيف لو ظفر بهذا الخرج مخالف لها، يقصد التشنيع عليها. فقال له الحافظ: يا مولاى الموفّق، هبهما لى. فقال: يا مولانا، كلّنا مماليكك.

وخرج؛ ولم يبلغ الأعداء منهما ما أرادوا؛ فزاد أمرهما فى الدّولة على الخليفة والاستعلاء على الناس.

وأراد الأكبر منهما أن يدخل على الخليفة ويخرج ظاهرا ليراه النّاس، فجدّد له ديوانا سمّاه


(١) زويلة قبيلة من قبائل البربر الواصلين مع جوهر القائد من المغرب وقد سكنوا بحارة عرفت باسمهم بجوار البابين اللذين أنشأهما جوهر عند المدخل الجنوبى للقاهرة. يقول القلقشندى: وأحد هذين البابين القوس المجاور للمسجد المعروف بمسجد سام بن نوح، والثانى كان موضع الحوانيت التى يباع فيها الجبن على يسرة القوس المتقدم ذكره. وكان سبب إبطال هذا الباب أن المعز دخل القاهرة من باب القوس فازدحم الناس فيه وتجنبوا الدخول من الباب الآخر واشتهر بين الناس أن من دخل منه لم تقض له حاجة فأبطل. ولما جاء بدر الجمالى على زمن المستنصر أزال هذين البابين وأنشأ بدلهما الباب الموجود الآن والذى يسميه العامة باب المتولى أو بوابة المتولى. المواعظ والاعتبار: ٣٨٠:١ - ٣٨١؛ صبح الأعشى: ٣٤٨:٣ - ٣٤٩، ٣٦٣.
(٢) الأجل الموفق أبو الحجاج يوسف بن محمد المعروف بابن الخلال.
(٣) واسمه أبو عبد الله محمد بن الحسين الطرابلسى.