وقوي صلاح الدين، وتلاشى العاضد وانحل أمره، ولم يبق له سوى إقامة ذكره في الخطبة. ووالي صلاح الدين الطلب من العاضد في كل يوم ليضعفه، فأتى على المال والخيل والرقيق وغير ذلك، حتى ان العاضد كان في بعض الأيام بالبستان الكافوري وإذا بقاصد صلاح الدين قد وافاه يطلب منه فرساً وهو راكب، فقال ما عندي إلا الفرس الذي أنا راكبه، ونزل عنه، وشق خفيه ورمى بهما وسلم إلى القاصد الفرس وعاد إلى قصره ماشياً، فلزم مجلسه ولم يعد بعدها يركب حتى مات.
وأخرج صلاح الدين خاله الأمير شهاب الدين الحارمي إلى الصعيد يتبع من فر من العبيد فأفناهم، ولم يبق منهم بديار مصر إلا من اختفى، بعد أن كانت البلاد كلها لا تخلو مدينة ولا محلة من أن يكون فيها مكان معد للعبيد، محمي لا يدخله وال ولا غيره. وكان منهم ضرر على الناس.
وأخذ صلاح الدين في القبص على دور العبيد والأرمن والأمراء، وأسكن فيها أصحابه معه بالقاهرة.
وكان قاع النيل في هذه السنة ست أذرع وثماني أصابع، وبلغ ثمان عشرة ذراعا.