للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

الشافعى وإسحاق، وقال أحمد: إن ذَهَبَ ذاهِبٌ إلى قول عائشة في خمس رضعات فهو مذهب قوي.

وذهب أكثر أهل العلم إلى أن قليل الرضاع وكثيره مُحَرِّمٌ؛ يروى ذلك عن ابن عباس وابن عمر، وبه قال سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير والزُّهري، وهو قول سفيان الثوري ومالك والأوزاعي وعبد الله بن المبارك ووكيع وأصحاب الرأي، وذهب أبو عبيد وأبو ثور وداود إلى أنه لا يحرم أقل من ثلاث رضعات، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تحرّم المصة والمصّتان"، ويُحكى عن بعضهم أن التحريم لا يقع بأقل من عشر رضعات؛ وهو قول شاذ.

وقول عائشة: "فتوفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي فيما يقرأ من القرآن"؛ أرادت به قرب عهد النسخ من وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، حتى كان بعض من لم يبلغه النسخ يقرؤه على الرسم الأول، لأن النسخ لا يتصور بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويجوز بقاء الحكم مع نسخ التلاوة؛ كالرجم في الزنى حكمه باقٍ مع ارتفاع التلاوة في القرآن، لأن الحكم ثبت بأخبار الآحاد، ويجب العمل به، والقرآن لا يثبت باخبار الآحاد، فلم تجز كتابته بين الدفتين" اهـ.

وقال الحافظ ابن الجوزي في "نواسخ القرآن" أو"ناسخ القرآن ومنسوخه" (ص ٣٤ - ط. المكتبة العصرية):

"قلت: أما مقدار ما يحرم من الرضاع؛ فعن أحمد بن حنبل -رَحِمَهُ اللهُ- فيه ثلاث روايات:

الأولى: رضعة واحدة؛ وبه قال أبو حنيفة ومالك، أخذًا بظاهر القرآن في قوله: {وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: ٢٣]، وتركًا لذلك الحديث.

والثانية: ثلاث؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا تحرم المصة والمصتان" (١).

والثالثة: خمس؛ لما روينا في حديث عائشة.

وتأوّلوا قولها: "وهى مما يقرأ من القرآن"؛ أن الإشارة إلى قوله: {وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ}، وقالوا: لو كان يقرأ بعد وفاة رسول الله {وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} لنقل


(١) أخرجه مسلم (١٤٥٠).