وقال ابن قتيبة في شرح هذا الأثر:"يريد: لا يزال الناس بخير ما كان علماؤهم المشايخ، ولم يكن علماؤهم الأَحْداث، لأن الشيخ قد زالت عنه مُتْعَةُ الشباب، وحِدَّتُه، وعجلتُه، وسفهه، واستصحب التجربة والخبرة، فلا يدخل عليه في علمه الشبهة، ولا يغلب عليه الهوى، ولا يميل به الطمع، ولا يستزته الشيطان استزلال الحدَث، ومع السن الوقار والجلالة والهَيْبَة، والحدَثُ قد تدخل عليه هذه الأمور التي أمِنَتْ على الشيخ، فإذا دخلت عليه وأفتى؛ هلك وأهلك".
أخرجه عنه الخطيب البغدادي في "نصيحة أهل الحديث"(رقم: ٧) بإسناد حسن.
قلت: ورحم اللهُ ابنَ قتيبة كأنه يحكي واقعنا وما نعايشه في هذا الزمان، من تولي الأحداث والشباب، والإعراض عن العلماء الكبار الثقات، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وانظر للمزيد من الفائدة مقدمة العلامة الفقيه عبد المحسن العبَّاد -حفظه الله- لكتاب "مدارك النظر" ففيه حكاية عن هذا الواقع، والله المستعان.
وقد روى الفسوي في "المعرفة والتاريخ"(١/ ٦٧٠) والخطيب البغدادي في "الفقيه والمتفقه"(٢/ ٣٢٤/ ١٠٣٩) عن مالك قال: أخبرني رجل أنه دخل على ربيعة، فقال: ما يبكيك؟ وارتاع لبكائه، فقال له: أدَخَلَت عليك مصيبة؟
فقال: لا؛ ولكن استُفتِيَ من لا علم له، وظهر في الإسلام أمر عظيم".
قال الخطيب البغدادي: "ينبغي لإمام المسلمين أن يتصفح أحوال المُفْتِينَ، فمن كان يَصلُحُ للفتوى أَقَرَّهُ عليها، ومن لم يكن من أهلها منَعَهُ منها، وتقدَم إليه بأن لا تعرض لها، وأوعده بالعقوبة إن لم ينتهِ عنها".
قلت: كيف لو رأى ربيعة ومالك والبغدادي حال زماننا؛ وقد انتصب للفتوى فيه أهل البدع والجهل، ومن لا يحسنون السُّنّة، إنما يدينون بالبدعة؟!
كيف لو رأوا الشباب اليوم يترك ويعرض عن علماء الأمة الثقات الأكابر، ويركن إلى الأغمار الأصاغر، فيأخذ منهم الفتوى في مسائل عظيمة، يجسر العلماء الكبار عن الكلام فيها، فيأتي هؤلاء المرتزقة فيتكلمون ويفتون؛ فيكفّرون الأمة، ويتهمون من لم يوافقهم بالإرجاء! وبالتّجهُّم!! هذه التُّهمَ يتّهمون بها