- كمن يصلي لنفسه ويجهر بقراءته، حتى يُغلّط من يقرأ إلى جانبه أن يصلي؛ فإنه منهي عنه.
وقد خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلة على أصحابه وهم يصلُّون في المسجد ويجهرون بالقراءة، فقال:"كلكم يناجي ربه، فلا بجهر بعضكم على بعض بالقرآن". وفي رواية:"فلا يُؤْذِ بعضكم بعضًا، ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة". خرَّجه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي من حديث أبي سعيد.
وكذلك رفع الصوت بالعلم زائدًا على الحاجة مكروه عند أكثر العلماء، وقد سبق ذكره مستوفًى في أوائل "كتاب العلم" في باب: رفع الصوت بالعلم.
الوجه الثاني: رفع الصوت بالإختصام ونحوه من أمور الدنيا؛ فهذا هو الذي نهى عنه عمر وغيره من الصحابة.
ويشبهه: إنشاد الضالة في المسجد، وفي "صحيح مسلم" عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كراهته والزجر عنه، من رواية أبي هريرة وبريدة.
وأشد منه كراهة: رفع الصوت بالخصام بالباطل في أمور الدين؛ فإن الله ذمّ الجدال في الله بغير علم، ولا جدال بالباطل، فإذا وقع ذلك في المسجد ورُفعت الأصوات به تضاعف قبحه وتحريمه، وقد كَرِهَ مالكٌ رفعَ الصوت في المسجد بالعلم وغيره. ورخَّصَ أبو حنيفة ومحمد بن مسلمة -من أصحاب مالك - في رفع الصوت في المسجد بالعلم والخصومة، وغير ذلك مما يحتاج إليه الناس؛ لأنه مجمعهم ولا بد لهم منه" اهـ.
* * *
١٢ - قال الحميدي: ذكر الشافعيُّ يومًا حديثًا؛ فقال له رجل: أتقول به يا أبا عبد الله؟ فاضطرب وقال: "يا هذا! أرأيتني نصرانيًا؟! أرأيتني خارجًا من كنيسة؟! أرأيتَ في وسطي زنارًا؟! أروي حديثًا عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ولا أقول به"!!
أثر صحيح. أخرجه البيهقي في "مناقب الشافعي" (١/ ١٧٤) وأبو نعيم في "ذكر أخبار أصبهان" (١/ ١٨٣) وفي "حلية الأولياء" (٩/ ١٠٦) من طرق؛ عن الحميدي به.