"قلت: وهذا التأويل لا بدَّ منه، كان لم يرتضه الحافظ؛ وذلك لأن الرواية الأولى صريحة بأنه كان يؤمهم قبل مقدم النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فليست تشمل أبا بكر؛ للسبب الذي ذكره البيهقي، ولذلك لم ينص فيها على أبي بكر.
وأما الرواية الأخرى؛ فليس فيها ما في الرواية الأولى؛ فإن لفظها:(كان سالم -مولى أبي حذيفة- يؤم المهاجرين الأولين، وأصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، في مسجد قُباء؛ فيهم؛ أبو بكر، وعمر، وأبو سلمة، وزيد، وعامر بن ربيعة).
فليس فيها: أن الإمامة الواردة فيها كانت قبل القدوم حتى يرد الإشكال؛ بل فيها عكس ذلك؛ فإن من المعلوم أن مسجد قباء إنما بناه النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد قدومه إلى المدينة؛ كما في "صحيح البخاري" (٧/ ١٩٥).
وفي هذه الرواية: أن إمامته بأبي بكر إنما كانت فيه؛ فهي كالنص على أن ذلك كان بعد القدوم، فإذا ضَمَفتَ هذا إلى ما أفادته الرواية الأولى -كما هو الواجب في أمثاله- ينتج منه أن سالمًا - رضي الله عنه - كان يؤمهم قبل القدوم، وفيهم عمر وغيره، وبعد القدوم، وفيهم أبو بكر وغيره. وبذلك يطيح الإشكال من أصله. والله تعالى وليّ التوفيق" اهـ.
فقه الأثر:
فيه من الفقه: جواز إمامة العبد والمولى -خلافًا لمن يمنعه-، وسيأتي مزيد من الآثار في الباب.
قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري"(٢/ ٢١٧): "وإلى صحَّة إمامة العبد ذهب الجمهور. وخالف مالك، فقال: لا يؤئم الأحرارَ؛ إلا إن كان قارئًا وهم لا يقرؤون، فيؤمهم، إلا في الجمعة؛ لأنها لا تجب عليه. وخالفه أشهب، واحتجَّ بأنها تجزئه إذا حضرها".
وفيه: أن الذي يُقدَّم للإمامة هو الأقرأ، والأكثر حفظًا، وهذه هي السُّنَّة العلمية والعملية المتبعة المعروفة في العهد النبوي وعهد الصحابة - رضي الله عنهم-.