وإذا جاز الكذبُ، وأمكن في الداخلين إلى الإسلام؛ فيمكن أن يكون عمر مع احتياطه في الدين يخشى أن يختلقوا الكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند الرهبة والرغبة، أو طلبًا للحجة، وفرارًا إلى الملجأ والمخرج مما دخلوا فيه، لقلّة علمهم بما في ذلك عليهم، فأراد عمر أن يُرِيَهُم أن من فعل شيئًا ينكر عليه، ففزع إلى الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه، ليثبت له بذلك فعله، وجب التثبت فيما جاء به، إذا لم تُعرَفْ حالُه، حتى يصح قوله، فأراهم ذلك، ووافق أبا موسى -وإن كان عنده معروفًا بالعدالة، غير مُتَّهم- ليكون ذلك أصلًا عندهم.
وللحاكم أن يجتهد بما أمكنه إذا أراد به الخير، ولم يخرج عمَّا أبيح له.
والله أعلم بما أراد عمر بقوله ذلك لأبي موسى، وعلى هذا قول طاوس، قال:"كان الرجلُ إذا حدَّث عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أُخِذَ حتى يجيء ببيِّنة، وإلا عوقب" -يعني: ممن ليس بمعروف بالعدالة، ولا مشهور بالعلم والثقة".
ثم قال: "وفي قول عمر -رَحِمَهُ اللهُ- في حديث عبيد بن عمير -الذي ذكرناه في هذا الباب- "خفي عليَّ هذا من أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ألهاني عنه الصفق في الأسواق"، اعتراف منه بجهل ما لم يعلم، وإنصاف صحيح، وهكذا يجب على كل مؤمن.
وفي قوله:"ألهاني عنه الصفق بالأسواق" دليل على أن طلب الدنيا يمنع من استفادة العلم، وأن كل ما ازداد المرء طلبًا لها ازداد جهلًا، وقلَّ علمه، والله أعلم".
* * *
- حكم من غسَّلَ ميتًا، هل يغتسل أم لا؟
٤٤٥ - قال الإمام الدارقطني: حدثنا ابن صاعد، ثنا محمد بن عبد الله المخرمي، ثنا أبو هشام المغيرة بن سلمة المخزومي، ثنا وهيب، ثنا عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، قال: "كنَّا نغسِلُ الميِّتَ، فمِنَّا من يَغْتَسِلُ، ومنَّا من لا يَغْتَسِل".
صحيح. أخرجه الدارقطني في "سننه" (٢/ ٧٢)، والخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد" (٥/ ٤٢٤).