إنَّ الحمدَ لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله.
أما بعد؛ فإن الله -عَزَّ وَجَلَّ- ردَّنا إلى كتابه وإلى سنة رسوله - صلى الله عليه وآله وسلم -، وإلى أعلم الناس بكتابه وسنة رسوله - صلى الله عليه وآله وسلم -، قال تعالى:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}، وقال تعالى:{أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}، قال جابر بن عبد الله - رضي الله عنه -: "أولوا الفقه والخير". أخرجه ابن أبى شيبة وغيره؛ بإسناد جيد.
وقال ابن مسعود - رضي الله عنه -: "لا يزال الناسُ بخير ما أتاهم العلمُ من أصحاب محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - ومن أكابِرِهم، فإذا جاء العلم من قِبَلِ أصاغرهم هلكوا". أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" وغيره؛ بإسناد صحيح.
فلا ريب أنهم كانوا أبرّ قلوبًا، وأعمق علمًا، وأَقَلَّ تكلُّفًا، وأحري بأن يوفَّقوا في فهم كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وآله وسلم - بما لم يوفَّقْ له من لم يلزم طريقهم؛ لما خَصَّهم الله -عَزَّ وَجَلَّ- به من توقد الأذهان، وفصاحة اللسان، وسعة العلم، وسهولة الأخذ، وحُسن الإدراك وسرعته، وقلَّة المعارض أو عدمه، وحسن القصد، وتقوى الله تعالى. فالعربية سليقتهم، والمعاني الصحيحة مركوزة في فطرهم وعقولهم، ولا حاجة لهم إلى النظر في الإسناد، وأحوال الرواة، وعلل الحديث، والجرح والتعديل، ولا إلى النظر في قواعد الأصول، وأوضاع الأصوليين؛ بل قد غُنوا عن ذلك كله، فليس في حقهم إلا أمران: أحدهما: قال الله تعالى كذا، وقال رسوله كذا. والثاني: معناه كذا وكذا. وهم أسعد الناس بهاتين المقدمتين، وأحظى الأمة بهما.