١١ - عن السائب بن يزيد قال:"كنتُ قائمًا في المسجد، فحصبني رجلٌ، فنظرتُ فإذا عمر بن الخطاب، فقال: اذهب فأتني بهاذين، فجئته بهما، قال: من أنتما -أو: من أين أنتما-؟ قالا: من أهل الطائف. قال: لو كنتما من أهل البلد لأوجعتكما، ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -"!.
أخرجه البخاري في "صحيحه"(رقم: ٤٧٠) - ٨ - كتاب الصلاة، (٨٣) باب رفع الصوت في المسجد.
فقه الأثر:
قوله:"فحصبني"؛ أي: رماني بالحصباء.
قال الحافظ ابن رجب في "فتح الباري"(٢/ ٥٦٥ - ٥٦٦ - ط. ابن الجوزي): "وفيه أن التنبيه في المسجد بالحصب بالحصى جائز .. ".
قال الحافظ ابن رجب (٢/ ٥٦٥): "إنما فرَّق عمر بين أهل المدينة وغيرها في هذا؛ لأن أهل المدينة لا يخفى عليهم حرمة مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتعظيمه، بخلاف من لم يكن من أهلها؛ فإنه قد يخفى عليه مثل هذا القدر من احترام المسجد، فعفى عنه بجهله".
أما حكم رفع الصوت في المسجد؛ فقال عنه ابن رجب (٢/ ٥٦٧): "ورفع
الأصوات في المسجد على وجهين:
أحدهما: أن يكون بذكر الله وقراءة القرآن والمواعظ وتعليم العلم وتعلّمه، فما كان من ذلك لحاجة عموم أهل المسجد إليه، مثل الأذان والإقامة وقراءة الإمام في الصلوات التي يجهر فيها بالقراءة، فهذا كله حسن مأمور به.
وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا خطب علا صوتُه واشتد غضبُه؛ كأنه منذر جيش، يقول: "صبَّحكم ومسَّاكم"، وكان إذا قرأ في الصلاة بالناس تُسمع قراءته خارج المسجد، وكان بلال يؤذن بين يديه ويقيمُ في يوم الجمعة في المسجد.
وقد كره بعض علماء المالكية في مسجد المدينة خاصة لمن بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يزيد في رفع صوته في الخطب والمواعظ على حاجة إسماع الحاضرين، تأدبًا مع النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - حاضر يسمع ذلك، فيلزم التأدب معه، كما لو كان حيًا.
وما لا حاجة إلى الجهر فيه؛ فإن كان فيه أذًى لغيره ممن يشتغل بالطاعات