الحمدُ للهِ المَشْكُورِ على النِّعَمِ بحقِّ ما يطولُ به منها، وعند شُكْرِهِ بحقِّ ما وَفَّقَ له من شُكْرِهِ عليها، فالنِّعَمُ منه، والشُّكْرُ له، والمزيدُ في نِعَمِهِ بشُكْرِهِ، والشُّكْرُ من نِعَمِهِ؛ لا شريكَ له.
المحمودِ على السَّرَّاءِ والضَّرَّاءِ، والمُتَفَرِّدِ بالعِزِّ والعَظَمَةِ والكِبْرِيَاءِ. العالمِ قبل وجودِ المعلومات، والباقي بعد فَنَاءِ الموجودات. المبتدئِ بالنِّعَمِ قبل استحقاقِها، والمُتَكَفِّلِ لِلْبَرِيةِ بِأَرْزَاقِهَا قَبْلَ خَلْقِهِا.
أَحْمَدُهُ حَمْدُا يُرْضِيهِ وَيُزَكِّينَا لَدَيْهِ. وصلَّى اللهُ أولى صلواته على النبيِّ الطَّاهِرِ؛ عَبْدِهِ ورسولِهِ، مفتاحِ الرَّحْمَةِ، وخَاتِم النُّبُوَّةِ، الأوَّلِ مَنْزِلَة، والآخِرِ رسالة، الأمين فيما اسْتُوْدِعَ، والصَّادِقِ فيمَا بَلَّغَ.
أمَّا بَعْدُ؛ يا إخواني؛ عَصَمَنَا اللهُ وإيَّاكم من غَلَبَةِ الأَهْوَاءِ، ومُشَاحَنَةِ الآراءِ. وَأعَاذَنَا وإيَّاكم من نُصْرَةَ الخَطَإِ وشماتَةِ الأعداءِ. وأَجَارَنَا وإيَّاكم من غِيَرِ الزَّمانِ، وزخارِيفِ الشَّيْطَانِ.
فقد كَثُرَ المُغْتَرُّونَ بتمويهاتها، وتَبَاهَى الزَّائغون والجاهلونَ بلبسةِ حلَّتِهَا؛ فأصبحنا وقد أَصَابَنَا ما أصابَ الأمم قبلنا، وحَلَّ الذي حَذَّرَنَاهُ نبيُّنا - صلى الله عليه وسلم - = مِنَ الفُرْقَةِ والإختلافِ، وتَرْكِ الجماعةِ والإئتلافِ، وَوَاقَعَ أكثرُنا الذي عنه نُهِينَا، وتَرَكَ الجمهورُ مِنَّا ما به أُمِرْنَا؛ فَخُلِعَتْ لبْسَةُ الإسلام، ونُزِعَتْ حِلْيَةُ الإيمانِ، وانكشَفَ الغطَا، وبَرَحَ الخَفَا؛ فَعُبِدَتِ الأهواءُ، واسْتُعْمِلَتِ الآراءُ، وقامت سوقُ الفِتْنَةِ، وانتشرت أعْلَامُها، وظَهَرَت الرِّدَّة، وانكشفَ قناعُها، وقدحتْ زِنَادُ الزندقةِ فاضطرمت نيرانُها، وخُلِّفَ محمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم - في أُمَّتِهِ بأقبح خَلَفٍ! وعَظُمَتِ البَلِيَّةُ، واشْتَدَّتِ الرَّزِيَّةُ. وظهَرَتِ البِدَعُ، ومات الوَرَعُ، وهُتِكَتْ سجفُ (١) المُشَايَنَةِ،