"وليس المراد من الحديث ما تبادر إلى ذهن الحسن البصري؛ أن الشمس والقمر في النار يُعَذَّبان ميها عقوبة لهما؛ كلَّا! فإن الله -عَزَّ وَجَلَّ- لا يُعذِّب من أطاعه من. خلقه، ومن ذلك الشمس والقمر؛ كما يشير إليه قول الله تبارك وتعالى:{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ}[الحج: ١٨]، فأخبر تعالى أن عذابه إنما يحق على غير من كان يسجد له تعالى في الدنيا؛ كلما قال الطحاوي، وعليه؛ فإلقاؤهما في النار يحتمل أمرين:
الأول: أنهما من وقود النار؛ قال الإسماعيلي: "لا يلزم من جعلهما في النار تعذيبهما؛ فإن لله في النار ملائكة وحجارة وغيرها؛ لتكون لأهل النار عذابًا، وآلة من آلات العذاب، وما شاء الله من ذلك؛ فلا تكون هي معذبة".
الثاني: أنهما يلقيان فيها تبكيتًا لعُبَّادِهما. قال الخطابي: "ليس المراد بكونهما في النار تعذيبهما بذلك، ولكنه تبكيتٌ لمن كان يعبدهما في الدنيا؛ ليعلموا أن عبادتهم لهما كانت باطلة".
* * *
٣٠٨ - قال الإمام الحافظ أبو عبد الرحمن النسائي: أخبرنا عمرو بن علي، قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: حدثنا عكرمة بن عمار، قال: حدثني أبو زميل، قال: حدثني عبد الله بن عباس، قال:
"لمَّا خرجَت الحرورية اعتزلوا فيٍ دارِ، وكانوا ستة آلاف، فقلتُ لعليٍّ: يا أمير المؤمنين؛ أَبْرِدْ بالصلاة؛ لعلِّي أُكَلِّمُ هؤلاء القوم".
قال: "إني أخافهم عليك".
قلتُ: "كلَّا". فلبستُ وترَجَّلْتُ، ودخلتُ عليهم في دارِ، نصفَ النهار -وهم قائلون- فقالوا: مرحبًا بك يا ابن عباس! فما جاء بك؟!
قلت لهم: "أتيتُكم من عند أصحاب النبيّ - صلى الله عليه وآله وسلم -