ولم يأتِ دليلٌ من الشارع يدلُّ على حصر الخفاف في التي تكون من الجلد فقط.
وقول أنس في هذا أقرى حُجَّةً ألفَ مرّةٍ من أن يقول مثله مؤلّف من مؤلّفي اللغة؛ كالخليل والأزهري والجوهري وابن سيدة وأضرابهم. لأنهم ناقلون للُّغة، وأكثر نقلهم يكون من غير إسناد، ومع ذلك يحتج بهم العلماء.
فأولى ثم أولى إذا جاء التفسير اللغوي من مصدر أصلي من مصادر اللغة؛ وهو الصحابي العربي من الصدر الأول، بإسنادٍ صحيحٍ إليه.
وقد أشار الإمام ابن القيم إلى مثل هذا المعنى -وإن لم يكن صريحًا تمامًا- فيما نقلناه عنه آنفًا، من قوله:"وإنما عمدته هؤلاء الصحابة وصريح القياس، فإنه لا يظهر بين الجوربين والخفين فرقٌ مؤثر يصحُّ أن يُحالَ الحكم عليه".
فجعل ابن القيم أن "الجوربين" مقيسان على "الخفين" قياسًا جَلِيًّا، "من غير فرق مؤثر يصح أن يحال الحكم عليه".
ولكن المعنى في حديث أنس أدقّ؛ فليس الأمر قياسًا للجوربين على الخفين، بل هو: أن الجوربين داخلان في مدلول كلمة "الخفين" بدلالة الوضع اللغوي للألفاظ على المعاني.
والخفان ليس المسح عليهما موضع خلاف، فالجوربان من مدلول كلمة "الخفين"، فيدخلان فيهما بالدلالة الوضعية اللغوية.
وقد ثبت -من غير وجه- عن أنس أنه مسح على الجوربين. فهو يؤيد رواية الدولابي التي ذكرنا.
١١٢ - قال البيهقي -رَحِمَهُ اللهُ-: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا العباس بن محمد، ثنا يحيى بن معين، ثنا عبد الرزاق، قال: سألتُ معمرًا عن الخَرْقِ يكون في الخُفِّ، فقال: