وسعد بن عبيدة؛ ثقة من رجال الستة، ومثله أبو عبد الرحمن السُّلمي، فالسند صحيح موقوفًا. وصححه ابن حزم في "المحلى"(٥/ ٥٣)، وهو مقتضى أبي جعفر الطحاوي؛ ولكنه قال:
"لم يقله عليٌّ - رضي الله عنه - رأيًا، إذ كان مثله لا يقال بالرأي، وإنما يقال بتوقيف عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -"!
كذا قال: وفيه نظر واضح، فإن القلب يشهد أن ذلك يقال بالرأي والإجتهاد، ولذلك ظلت المسألة من موارد النزاع، وقد صحَّ خلافه عن عمر بن الخطاب، أفيقال: إنه توقيف أيضًا، مع أنه هو الصواب؟!
فروى ابن أبي شيبة في "باب من كان يرى الجمعة في القرى وغيرها"، من طريق: أبي رافع، عن أبي هريرة؛ أنهم كتبوا إلى عمر يسألونه عن الجمعة. فكتب:"جَمَّعُوا حيثما كنتم".
قلت -[القائل هو الألباني]-: وإسناده صحيح على شرط الشيخين، وأبو رافع هذا اسمه نُفيع بن رافع الصائغ المدني، واحتج بهذا الأثر الإمام أحمد على تضعيف أثر علي، وزاد:"وأول جمعة جُمِّعَتْ بالمدينة؛ جمَّع بهم مصعب بن عمير، فذبح لهم شاة، فكفتهم، وكانوا أربعين، وليس ثَمَّ أحكام تجري". قال إسحاق المروزي:"قلتُ له: أليس ترى في قرى مرو لو جمَّعوا؟ قال. نعم".
ثم روى ابن أبي شيبة (١/ ٢/٢٠٤) بسند صحيح عن مالك، قال:"كان أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - في هذه المياه بين مكة والمدينة يجمّعون".
وروى البخاري (٢/ ٣١٦ بشرح الفتح) وأبو داود (١٠٦٨) وغيرهما، عن ابن عباس، قال:"إن أول جُمعة جُمِّعتْ في الإسلام بعد جمعة جُمِّعت في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة لجمعةٌ جُمِّعت بـ (جُوثاء) -قرية من قرى البحرين- وفي رواية: قرية من قرى عبد القيس".
وترجم له البخاري وأبو داود بـ "باب الجمعة في القرى".
قال الحافظ:"ووجه الدلالة منه أن الظاهر أن عبد القيس لم يجمعوا إلا بأمر النبي - صلى الله عليه وسلم -، لما عرف من عادة الصحابة من عدم الإستبداد بالأمور الشرعية في زمن نزول الوحي، ولأنه لو كان ذلك لا يجوز لنزل فيه القرآن، كما استدلَّ جابر وأبو سعيد على جواز العزل بأنهم فعلوه والقرآن ينزل، فلم ينهوا عنه".