- أن العبرة ليست بكثرة العُبّاد والقرّاء، بل العبرة بفقه هذه العبادة والقراءة والعمل بها وتنزيلها في الحياة. وأدلّ دليلٍ على هذا؛ حال الخوارج -وقد وصفهم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بكثرة العبادة والقراءة، لكن هذه العبادة والقراءة لم تنفعهم، إذ هم:"يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية"، فالعبرة إذًا بموافقة السنة، والله الموفق.
- فيه أن الناس إذا اعتادوا أمرًا جعلوه سنة، وهذا مشاهد في عصرنا؛ إذ فشت البدع وسمّيت سننًا، فإذا جاء السُّنيُّ ينكرها أنكر الناس عليه ذلك واتهموه في دينه. وإذا أتى يقيم السنة استنكروا واستغربوا، كأنها بدعةٌ تقام، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
- وفيه أيضًا تشخيص لحال الفقهاء والقراء الذين اتخذوا هذا الأمر مهنة ووظيفة، فالتمسوا الدنيا بعمل الآخرة، فصارت النيات زائغة عند الكثير، فهو يريد أن يكون قارئًا كي يدرَّ عليه من المال الوفير، وآخر إن رُتّب له راتب من المال دعا إلى الله، وإلا فلا!!
وهذا الأثر يعدُّ من أعظم الآثار الواردة عن الصحابة وأجلّها، وفيه فوائد وعبر كثيرة غير ما ذكرنا، وهذا ما فتح أدنه به، والحمد الله أولًا وآخرًا.
* * *
٨٥ - قال معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يُفْتَحُ القرآنُ على الناسِ؛ حتى يقَرأَهُ المرأةُ والصَّبيُّ والرجلُ، فيقول الرجلُ: قد قرأتُ القرآنَ فلم أُتَّبَع؛ والله لأقومنَّ به فبهم لعلّي أُتَّبَعُ، فيقوم به فيهم؛ فلا يُتَّبَعُ، فيقول: قد قرأتُ القرآن فلم أُتَّبَعُ، وقد قمتُ به فيهم فلم أُتَّبَعْ؛ لأحتظِرن في بيتي مسجدًا لعلّي أُتَّبَعُ، فيحتظر في بيته مسجدًا؛ فلا يُتَّبَعُ، فيقول: قد قرأتُ القرآنَ فلم أُتَّبَعْ، وقُمتُ به فبهم فلم أُتَّبَعْ، وقد احتظرتُ في بيتي مسجدًا فلم أُتَّبَعْ؛ والله لآتينَّهُم بحديثٍ لا يجدونه في كتاب الله جل وعلا، ولم يسمعوه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لعلّي أُتَّبَعُ!
قال معاذ: فإياكم وما جاء به، فإن ما جاء به ضلالة".
صحيح. أخرجه: أبو داود (٤٦١١) -نحوه- والدارمي (١/ ٢٨٤/ ٢٥)