للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قلب رجل واحد في شعورهم الديني وعواطفهم التقليدية، وليس من بينهم نفران اثنان يشعر أحدهما بالسيادة والغلبة نحو الآخر والجميع يشعر أنهم عرب سواء أكان ذلك بالأصالة أم بفعل الاستعراب الذي تم بمرور الزمن والاختلاط ومن أمثال تضليل الفرنسيين للعالم أن جريدة (المارسيز) لسان حالهم في الشرق الأوسط زعمت عندما أذعنا نبأ قيام الثورة في الجزائر سنة ١٩٤٣ وذكرنا بعض تفاصيلها وأن القتلى وحدهم يعدون بعشرات الألوف، زعمت يومئذ أن الذي يذيع هذه الأخبار الكاذبة رجل طريد هارب كان متصلا بالألمان وبالأمير شكيب أرسلان (وتعنيني أنا طبعا) ثم زعمت أن القائمين بالثورة هم القبائليون الذين يعطفون على النازية غضبا منهم على سقوطها وأما العرب فهم أصدقاؤنا ومتعاونون معنا ضد الثائرين.

والحقيقة أن هذه جرأة على الافتراء والتضليل لا يركن إليها إلا شديد الأعصاب الفاقد لعقله ولماء وجهه وكفى هذا لكثرة ترداد كلمة (القبائل) على ألسنة المستعمرين يجب أن أبين للقراء من هم القبائل في بلاد المغرب.

القبائل جمع القبيلة طبعا، وأهل المغرب قوم يسكنون الجبال، ولهم بعض التقاليد المشتقة من شدة بأسهم وأخشيشانهم وتماسك أفراد القبيلة فيهم، فمثلهم تقريبا كمثل أهل الصعيد بالضبط، عرفوا بالغيرة المتناهية والرجولة الكاملة والتدين الذي ينتهي في كثير من الأحيان إلى التعصب الشديد.

هذه القبائل أصلهم مزيج ممن كان أصلهم بربرا ثم امتزجوا بالعرب، ومنهم من أصلهم من العرب الأقحاح، ومنهم كثيرون من الأشراف الهاشميين وغاية ما بينهم وبين الناس هو نحو ما بين أهل الوجه البحري والصعايدة مع فارق بسيط وهو: أن القبائل في المغرب لهم إلى جانب اللغة العربية لغة خاصة اسمها (القبائل) هي مزيج من العربية واللغات القديمة لهذه الأوطان فالمسألة كما ترى مسألة بلاد وأقاليم، وليست مسألة أديان ومذاهب أو عناصر وأجناس ونحن إذ نقول هذا نتحدى الفرنسيين أن

<<  <   >  >>