للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الإنسانية فقط فمن هنا - وهو محل الشاهد - جاءت فكرة عزل هذه الأمة عن الدنيا عزلا كاملا شاكلا لا تسمح فيه، ثم إجراء العملية المبينة في خلوة لا تطلع عليها إلا هذه القافلة القاسية ومن فوقها علام الغيوب الذي ينتقم ولو بعد حين وأخذت في حزم تقف دون كل راغب (وخاصة من أهل الشرق) في زيارة هذه البلاد، حتى ولو كان تاجرا أو عالما مستشفيا، وحتى لو كان بسيطا حاجا لا يملك من أسباب النفع والضر شيئا، وتمنع على العموم إيجاد أي صلة بينها وبين الشرق حتى ولو كانت النهاية في التفاهة وتشدد الرقابة الأخرى على سكانها أن يتسربوا إلى الشرق ولو لطلب العلم، طلب الرزق أو الزيادة، وتعرقل السفر حتى إلى الحج وإذا سمحت بالحج لعدد محدود من المتعبدين الطيبين، فإنها تحيطهم بجواسيسها ليعدوا عليهم أنفاسهم وهم في رحاب بيت الله الحرام.

أما الصحف والرسائل فدون دخولها وخروجها ما هو أمنع من خط ماجينو.

وهنا أحب أن ألفت نظر القراء إلى ظاهرة عجيبة، ذلك أنه في هذا العصر أصبحت الإنسانية من حيث تيسير أسباب الاتصال كعائلة واحدة لدرجة تكاد ترتفع معها عملية الإبعاد من حساب المزاورين، فهذه مؤتمرات تعقد في أقاصي أمريكا ويحضرها أهل الدنيا جميعا وتعقد مرة أخرى في أقاصي الشرق كالهند والصين فيشهدها أهل القارات طرا، ولكن هناك بلاد واحدة يلاحظ الناس لأنهم لا يشهدون شيئا من ذلك أبدا، هذه البلاد هي إفريقيا الشمالية (تونس، الجزائر، ومراكش).

ولقد انعقدت مؤتمرات في البلاد العربية الشقيقة نفسها لرجال المحاماة والصيدلة، والطب، والهندسة، والاقتصاد ... الخ ويلاحظ الناس أيضا أن بلدا واحدا فقط حرم من الإشراك فيها (وهو المغرب العربي الذي يطوي بين جنبيه أكثر من ثلاثين مليونا) ولو قدر للمغاربة أن يخرجوا من هذا السجن، بل هذا الباستيل الحديدي لاستفادت الدنيا جميعا من رجولتهم وعبقريتهم.

<<  <   >  >>