في عُلُومٍ كَثِيرَة من عُلُومِ القُدَمَاء والعَرَب، حَسَنَ المَعْرِفَةِ جَيِّدَ القَرِيحَة، مَلِيحَ التَّصْنِيف والتَّألِيف (١).
وكان أوَّلًا مُعَلِّمًا للمُعْتَضِد ثم نَادَمَه وخُصَّ به. وكان يُفْضِي إليه بأسْرَارِه ويَسْتَشِيرُه في أمُورِ مَمْلَكَته، وكان الغَالِبَ على أَحْمَدِ بن الطَّيِّبِ عِلْمُهُ لا عَقْلُهُ. وكان سَبَبُ قَتْلِ المُعْتَضِد إيَّاه اخْتِصَاصَه به، فإنَّه أفْضَى إليه بسِرٍّ يَتَعَلَّقُ بالقَاسِم بن عبيد الله وبَدْر غُلام المُعْتَضِد، فأفْشَاهُ وأَذَاعَهُ بحِيلَةٍ من القَاسِم عليه مَشْهُورَةٍ. فَسَلَّمَه المُعْتَضِدُ إليهما، فاسْتَصْفَيا مَالَه ثم أوْدَعَاه المَطَامِير. فلمَّا كان في الوَقْتِ الذي خَرَجَ فيه المُعْتَضِدُ لفَتْحِ آمِد وقِتَالِ أحمد بن عِيسى بن شَيْخ، أَفْلَتَ من المَطَامِير جَمَاعَةٌ من الخَوَارِجِ وغيرهم والْتَقَطَهُم مُؤنِسُ الفَحْل، وكان إليه الشُّرْطَةُ وخِلافَةُ المُعْتَضِد على الحَضْرَة. وأَقَامَ أحمد في مَوْضِعِه ورَجَا بذلك السَّلامَة، فكان قُعُودُه سَبَبًا لَمَنِيَّتِه. وأمَرَ المُعْتَضِدُ القَاسِمَ بِإثْبَاتِ جَمَاعَةٍ مَّمَّن يَنْبَغِي أَنْ يُقْتَلُوا، ليَسْتَرِيحَ من تَعَلُّق القَلْبِ بهم، فأَثْبَتَهم فوَقَّعَ المُعْتَضِدُ بقَتْلِهم، فأَدْخَلَ القَاسِمُ اسْمَ أحمد في جُمْلَتهم فيما بعد، فقُتِلَ. وسَأَلَ عنه المُعْتَضِدُ فذَكَرَ له القَاسِمُ قَتْلَهُ وأَخْرَجَ إِليه الثَّبَتَ فلم يُنْكِرهُ، ومَضَى بعد أنْ بَلَغَ السَّمَاءَ رِفْعَةً في سَنَة (٢).