للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الصَّدِيقُوت، وزَعَمَ أَنَّه يَرَى أَمُورًا يُنْكِرُها، وأَرَادَ اللُّحُوقَ بالدِّينَاوَرِيَّة، وهم وَرَاءَ نَهْر بَلْخ. فأتَى المَدَائِنَ، وكان بها كاتب للحَجَّاجِ بن يُوسُف ذُو مَالٍ كَثِيرٍ، وقد كانت بينهما صَدَاقَةٌ، فشَرَحَ له حَالَهُ والسَّبَبَ الذي أَخْرَجَهُ من الجُمْلَة، وأَنَّه يُرِيدُ خُرَاسَان ليَنْضَمّ إلى الدِّينَاوَرِيَّة. فقال له الكاتِبُ: "أنا خُرَاسَانك وأنا أبْنِي لَكَ البيع وأُقِيمُ لَكَ ما تَحتاج إليه، فأَقَامَ عِنْدَه، وبَنَى له البيع. فَكَتَبَ زَادْهُرْمُز إلى الدِّينَاوَرِيَّة يَسْتَدْعِي منهم رئيسًا يُقِيمُه، فكَتَبُوا إليه أنَّه لا يَجُوزُ أَن تكون الرِّئَاسَةُ إِلَّا في وَسَطِ الملك يتابل، فسُئِلَ عَنْ مَنْ يَصْلُح لذلِك، فلم يكُن غَيْرُه، فنَظَرَ في الأمْرِ. فلمَّا انْحَلَّ - ومَعْنَاهُ حَضَرْتُه الوَفَاة - سَأَلُوه أَنْ يَجْعَل لهم رئيسًا، فقال: هذا مِقْلاصٌ قد عَرَفْتُم مَكانَهُ، وأَنَا أَرْضَاهُ وَأَثِقُ بِتَدْبِيرِه لَكُم. فلمَّا مَضَى زَادْهُرْمُز، أَجْمَعُوا على تَقْدِيم مِقْلَاص.

فصَارَت المانَوِيَّةُ فِرْقَتَين: المِهْرِيَّة والمِقْلاصِيَّة (١)

وخَالَفَ مِقْلاصٌ الجَمَاعَة إلى أشْيَاء من الدِّين، منها في الوِصَالاتَ (٢)، حتى قَدِمَ أبو هلال الدَّيْجُورِيّ من إفْرِيقيَّة، وقد انْتَهَت رِئاسَةُ المَانِويَّة إليه، وذلك في أيَّام أبي جَعْفَر المَنصُور. فَدَعَا المَقَالِصَةَ إِلى تَرْكِ ما رَسَمَهُ لهم مِقْلاصٌ في الوِصَالَات، فأجَابُوهُ إلى ذلك.


(١) أوْرَدَ القاضي عبد الجبار قَوْلَ المقلاصِيَّة وخلافهم مع سائر المانوية - ويعني بهم المهرِيَّة - نَقَلًا عن الحَسَن بن مُوسَى النَّوْبَخْتي والمِسْمَعِيّ. وهو يَتَضَمَّن خُلاصَة قول مَنْ ذكرهم النديم بعد قليل وسمَّاهم رُؤساء المتكلِّمين الذين يُظهرون الإِسْلَام ويُبْطِنون الزَّنْدَقَة. (المغني ١٨:٥ - ٢١، وفيما يلي ٤٠٤ - ٤٠٥).
(٢) الوصالات. تعني نَوْعًا من الصيام لمُدَّة يومين مُتَّصِلَيْن دون انْقِطَاع. وقد عُرِف صَوْمُ الوِصَال كذلك في الإسلام ومارَسه الرَّسُولُ . (M. CHOKR، Op.cit.، p. ٤٩ n.