للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا مِثَالُها (a)

قَلَمُ الصِّين

الكِتَابَةُ الصِّينِيَّة تَجْري مَجْرَى النَّقْشِ، يَتْعَبُ كاتِبُها الحَاذِق الماهِر فيها، وقيل إنَّه لا يُمكن الخَفِيفَ اليَد أَنْ يَكْتُبَ بها (b) في اليوم أكْثَر من وَرَقَتَيْن أو ثَلاثَة. وبها يَكْتُبُون كُتُبَ دِيَانَتِهم وعُلُومِهم في المَرَاوِح، وقد رَأَيْتُ منها (c) عِدَّةً. وأَكْثَرُهُم ثَنَوِيَّة سُمَنِيَّة (d). وأنا أَسْتَقْصِي أَخْبَارَهُم فيما بَعْد (١).

وللصِّين كِتابَةٌ يُقَالُ لها "كِتَابَةُ المَجْمُوع"، وهو أَنَّ لكُلِّ كَلِمَةٍ تُكْتَبُ بِثَلاثَة أحْرُف وأكثر، صُورَةً واحِدة. ولكلِّ كَلام يطول، شَكلٌ من الحُرُوفِ يأتي على المَعَاني الكَثيرَة، فإذا أَرَادُوا أَنْ يَكْتُبُوا ما يُكتبُ في مَائَة وَرَقَة كَتَبُوه في صَفْحٍ وَاحِد بهذا القَلَم.

قال محمَّدُ بن زَكريا الرَّازِيّ (٢): قَصَدَني رَجُلٌ من الصِّين فأَقَامَ بحَضْرَتي نحو سَنَةٍ تَعَلَّمَ فيها العَرَبيَّة كلامًا وخَطَّا في مُدَّةِ خَمْسَة أَشْهُرٍ، حتى صَارَ فَصِيحًا حَاذِقًا سَرِيعَ اليَد. فلمَّا أَرَادَ الانْصِرَافَ إِلى بَلَدِه قال لي قَبْلَ ذلك بشَهْرٍ: "إِنِّي على الخُرُوجِ: فأُحِبُّ أن تُمِلَّ عليَّ كُتُبَ جَالِينُوس السِّتَّة عشر (٣) لأكْتُبَها". فَقُلْتُ: "لقد ضَاقَ عليك الوَقْتُ ولا يفي زَمَانُ مُقامِك لنَسْخِ قَليلٍ منها"، فقال الفَتَى: "أَسْأَلُكَ أَنْ تَهَبَ لِي نَفْسَكَ مُدَّةَ مُقَامِي وتُمِلَّ عليَّ بِأَسْرَعِ ما يُمْكِنك فإِنِّي أَسْبِقُكَ


(a) في هامش ك ١ لم يذكر.
(b) ب: منها.
(c) ك ١: منهم.
(d) ك ١: شمسية.