للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[نقول المتأخرين من الكتاب]

من الغَرِيبِ أنْ يَظَلَّ كِتَابُ "الفِهْرِسْت" للنَّدِيم غَيْرَ مُتَدَاوَلٍ بين العُلَمَاءِ إِلَى أَنْ أَعِيدَ اكْتِشَافُه في الرُّبْعِ الأوَّلِ من القَرْنِ السَّابع الهجريّ الثَّالِث عَشْر الميلادي، الذي يُعَدُّ بِدَايَة عَصْرِ اكْتِشَاف العُلَمَاءِ العَرَبِ الحقيقي لكتاب "الفِهْرِسْت"، باسْتِثْنَاء الإضَافَات التي أدْخَلَهَا عليه الوزيرُ المَغْرِبيّ (المتوفّى سنة ٤١٨ هـ/١٠٢٧ م) ونُقُولٍ قَلِيلَةٍ عن مُؤلَّفَاتِ مُصَنِّفي الشِّيعَة نَقَلَها عنه أبو جَعْفَر محمَّد بن الحَسَن الطُّوسِيّ، المتوفَّى سَنَة ٤٦٠ هـ / ١٠٦٧ م، في كِتَابِ "فَهْرِسْت كُتُبِ الشِّيعَة".

فأَوَّلُ مَنْ نَقَلَ نُقُولًا مُطَوَّلَةً من كِتَابِ "الفِهْرِسْت" الوَرَّاقُ الشَّهِيرِ يَاقُوتُ بن عبد الله الرُّوميّ الحَمَويّ، المتوفَّى سَنَة ٦٢٦ هـ/١٢٢٩ م، في كتابه "إِرْشَادِ الأريب إلى مَعْرِفَةِ الأدِيب" المَعْرُوف بـ "مُعْجَم الأُدَبَاء"، وكانت مَعَهُ منه نُسْخَةٌ تَتَّفِقُ في مُحْتَوَياتها مع ما جَاءَ في نُسْخَة المكتبة الوَطَنِيَّة الفرنسية (ب)، وهي النُّسْخَةُ التي اشْتَمَلَت على الزِّيَادَات والإضافات التي رَبَّحْتُ أنَّها من عَمَلِ الوَزِيرِ المَغْرِبي، المتوفَّى سَنَة ٤١٨ هـ / ١٠٢٧ م، فجَميعُ قَوَائِم مُؤَلَّفَات الأدَبَاءِ والنُّحَاةَ واللُّغَوِيين الذين عَاشُوا في الحِقْبَة التي أرَّخَ لها النَّدِيمُ، نَقَلَها ياقُوتٌ من كِتَابِ "الفِهْرِسْت".

وفَعَلَ الوَزِيرُ جَمَالُ الدِّين أبو الحَسَن عليُّ بن يُوسُف القِفْطي، المتوفَّى سَنَة ٦٤٦ هـ / ١٢٢٧ م، الشَّيءَ نَفْسَه، فأَغْلَبُ المادَّة التي خَصَّصَها في كتابه "إِنْباه الرُّوَاة"، للنَّحْوِيين الذين عَاشُوا في القُرُونِ الأرْبَعَة الأولى للإِسْلام نَقَلَها كذلك من "الفِهْرِسْتِ" للنَّدِيم، وقد حَدَّدْتُ ذلك وأشَرْتُ إليه في مَوَاضِعه. وإِنْ تَمَيَّزَت نُقُولُ القِفْطَيِّ على نُقُولِ يَاقُوت بأنَّه اعْتَمَدَ فيها على نُسْخَةٍ تَتَّفِقُ مع ما جَاءَ في دُسْتُور المُؤَلِّف كما يُمَثِّله الأَصْلُ المُعْتَمَدُ في إخْراج هذه النَّشْرَة النَّقْدِيَّة. وهي بالطَّبْع النُّسْخَةُ نَفْسُها التي نَقَلَ عنها تَرَاجِمَ الفلاسفة والرِّيَاضِيِّين الذين ذَكَرَهُم في كتابه "تاريخ الحُكَمَاء"، واعْتَمَدَ فيها، فيما يَخُصُّ الفلاسفة والرِّياضِيِّين الإغْرِيق على ما أَوْرَدَهُ النَّديمُ في "الفِهْرِسْت".

<<  <  ج: ص:  >  >>