للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مَعْرُوفُون بالمُغْتَسِلَة، وبتِيكَ النَّوَاحِي والبَطَائِح بَقَايَاهُم إلى وَقْتِنَا هذا، وكانوا على المَذْهَبِ الذي أُمِرَ فَتَّقُ بالدُّخُولِ فيه، وكانت امْرَأَتُهُ حَامِلًا بمَانِي. فلمَّا وَلَدَتْهُ زَعَمُوا <أَنَّها> كانت تَرَى له المَنَامَات الحَسَنَة، وكانت تَرَى فِي اليَقَظَة كأَنَّ أَحَدًا يأخُذُه فيَصْعَدُ به إلى الجَوّ ثم يَرُدُّهُ ورُبَّما أَقَامَ اليَوْمَ واليَوْمَين ثم يُرَدّ. ثم إِنَّ أَبَاهُ أُبْعِدَ فحَمَلَهُ إلى الموضع الذي كان فيه، فرُبِّي مَعَه وعلى مِلَّتِه. وكان يَتَكَلَّمُ مَانِي، على صِغَرِ سِنِّه، بكلام الحِكْمَة. فلمَّا تَمَّ له اثْنَتَا عَشْرَة سَنَةً أَتَاهُ الوَحْيُ، على قَوْلِهِ، من مَلِكِ جِنانِ النُّورِ وهو الله، تَعَالى عمَّا يَقُولُه. وكان الملكُ الذي جَاءَهُ بالوَحْي يُسَمَّى التَّوم، وهو بالنَّبَطِيَّة، ومَعْنَاهُ القَرِين، فقال له: "اعْتَزل هذه المِلَّة فَلَسْتَ من أهْلِهَا، وعَلَيْكَ بالنَّزَاهَةِ وتَرْكِ الشَّهَوَات، ولم يَأنْ لك أَنْ تَظْهَر حَدَاثَةِ سِنِّكَ". فلمَّا تَمَّ له أَرْبَعٌ وعِشْرُون سَنَةً، أَتَاهُ التَّوْمُ فقال: "قد حَانَ لَكَ أَنْ تَخْرُجَ فَتُنَادِي بأمْرِك".

الكَلامُ الذي قَالَهُ لَهُ التَّوْمُ

"عَلَيْكَ السَّلام مَانِي، مِنِّي ومن الرَّبِّ الذي أَرْسَلَني إِلَيْكَ واخْتَارَكَ لرِسَالَته (ورروان باجسَا) (١)، وقد أمَرَكَ أنْ تَدْعُوَ بحَقِّك وتُبشِّرَ بِبُشْرَى الحَقِّ من قِبَلِه، وتَحْتَمِلَ في ذلك كُلَّ جُهْدِك".

قالت المَانَوِيَّةُ: فَخَرَجَ يوم مَلَكَ شَابُور بن أرْدَشِير، ووَضَعَ التَّاجَ على رَأسِه، وهو يَوْمُ الأحَدِ أَوَّلُ يَوْمٍ من نيسَان والشَّمْسُ في الحَمَل، ومَعَهُ رَجُلان قد تَبِعَاه على مَذْهَبِهِ، أَحَدُهُما يُقَالُ له شَمْعُون والآخَر زكوا، ومَعَهُ أَبُوهُ يَنْظُرُ ما يَكُونُ مِنْ أمْرِه (٢).


(١) رُبَّما تَدلُّ هذه العبارة على المعنى نفسه باللُّغَة الآرامية.
(٢) ذكر البيروني، نَقْلًا عن كتاب "الشَّابُرْقان" (الشَّابُورْقَان) لماني - وهو يَتَضَمَّن سيرةً ذاتيةً له - =