للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال محمَّدُ بن إسْحَاق: الذي عُنِي بأَمْرِ الهِنْدِ في دَوْلَةِ العَرَبِ، يحيى بن خَالِد وجَمَاعَةُ البَرَامِكَة، ويُوشِك أنْ تكونَ هذه الحِكَايَةُ صَحِيحَةً إِذا أَضَفْنَاها إلى ما نَعْرِفُ من أخبار البَرَامِكَة واهْتِمامِها بأمْر الهِنْدِ وإحْضَارِهَا عُلَمَاءَ طِبِّها وحُكَمائِها.

أَسْمَاءُ مَوَاضِع العِبَادَات ببلاد الهِنْد (a) وصِفَةُ البُيُوت وحَالُ البَدَدَة

أكْبَرُ البُيُوتِ بَيْتُ بمَانْكِير، يكون طُولَه فَرْسَخٌ، و "مَانْكير" هذه هي المَدِينَةُ التي بها البَلَّهَرَا (١)، وطُولُها أَرْبَعُون فَرْسَخًا، من السَّاج والقَنَا وأَنْوَاعِ الخَشَب. ويُقَالُ إِنَّ بها للنَّاسِ العَامَّة، ألْفَ أَلْف فيل تَنْقل الأمْتِعَة، وعلى مَرْبَط المَلِك سِتُّون ألْف فِيل، وللقَصَّارِين بها عِشْرُون ومائة ألْف فِيل. وفي هذا البَيْتِ من البَدَدَة نحو عِشْرين ألْف بُدّ من أنْوَاع الجَوَاهِر، مِثْل الذَّهَبِ والفِضَّةِ والحَدِيدِ والنَّحَاسِ والصُّفْرِ والعَاج، وأنْوَاعِ الحِجَارَة المَعْجُونَة مُرَصَّع بالجَوَاهِر السَّنِيَّة. والمَلِكُ يَرْكب في كلِّ سَنَةٍ إلى هذا البَيْت، بَلْ يَمْشِي من دَارِه ويَرْجِع رَاكِبًا. وفيه صَنَمٌ مِن ذَهَبٍ ارْتِفَاعُه اثْنَا عَشْر ذِرَاعًا، على سَرِيرٍ من ذَهَبٍ في وَسَطِ قُبَّةٍ من ذَهَبٍ، مُرَصَّعٌ ذَلك كله بالجَوْهَر الأبيض الحبّ، واليَاقُوت الأحْمَر والأصْفَر والأزرق والأخْضَر. ويَذْبَحُون لهذا الصَّنَمِ الذَّبَائِح، وأكْثَر ما يُقَرِّبُون نُفُوسَهُم في يَوْم من السَّنَة مَعْرُوف عِنْدَهم.


(١) المانكير. مدينةٌ هنديةٌ في الجانب الشمالي لغربي للهند تَقَعُ بين الجبال، تُسَمَّى اليوم مَلْخِذ MALKHED ، عَدَّهَا المسعودي، في القرن الرابع لهجري اعاشر الميلادي، الحَوْذَة الكبرى. ويُعْرَفُ متملِّكها بـ "البَلَّهَرَا"، وتفسيره بلغتهم: "ملك لملوك"، وهو لَقَبٌ اتَّخَذَهُ مُلُوكُها، منذ سنة ١٣٦ هـ /٧٥٣ م إلى سنة ٣٦٥ هـ /٩٧٥ م، مثل لَقَب "قَيْصَر" الذي اتخذه أباطرةُ الرُّوم ولقب "خاقان" الذي اتَّخَذَهُ ملوك التُّرْك والخَزَر. وكانت أكثرُ ملوك الهند تتوجَّه في صلاتها نحوه وتُصَلِّي لرُسُله إذَا وَرَدُّوا عليهم. (المسعودي: مروج الذهب ١: ٩١، ٩٧، ٢٦٢، ٢: ١٣٤؛ الإدريسي: نزهة المشتاق ١٨٣).