لم يُشِر يَاقُوتٌ الحَمَويّ، أوَّلُ من تَرْجَمَ للنَّديم، لا إلى تأريخ ميلاده ولا إلى تأريخ وَفاته، وأوَّلُ من ذَكَرَ تأريخَ وَفاتِه هو مُوَاطِنُه أبو عبد الله محمد بن محمود البَغْدَادِيّ المعروف بابن النَّجَّار، فقد ذَكَرَ في ترجمته له في "ذَيْل تاريخ بَغْدَاد" - التي لم تَصِل إلينا - ولَخَّصَها كلٌّ من الصَّفَدِيّ والمَقْريزيّ وابن حَجَر والشَّخْصِ الذي سَجَّلَ تَرْجَمَته على ظَهْرِيَّة نُسْخَة مكتبة جامعة لَيْدن، أنَّه تُوفِّي "يوم الأرْبعاء لعَشْرٍ بَقِين من شَعْبَان سَنَة ثمانين وثَلاث مائة / (١٢) نوفمبر سَنَة ٩٩٠ م) ". فيكون قد عَاشَ بين ستين وخَمْسٍ وستين عَامًا، إِذَا صَحَّ افْتِرَاضُنَا أَنَّه وُلِدَ بين سنتي ٣١٥ و ٣٢٠ هـ.
وجَرَت مُنَاقَشَاتٌ مُطَوَّلَةٌ حَوْلَ تأريخ وَفَاة النَّدِيم بين كلِّ الذين اهْتَمُّوا بدِرَاسَة النَّديم وكتابه "الفِهْرِست"، واعْتَمَدَت ما تَوَصَّلَت إليه هذه المُنَاقَشَاتُ في الغَالِب على تصْحيفَات وَقَعَت في المَصَادر التي رَجَعُوا إليها. ويَرْجِعُ السَّبَبُ في ذلك إلى وُجُودِ تَوَارِيخ مُتَأخِّرة عن تأريخ تألِيف الكتاب، انْفَرَدَت بها نُسْخَةُ المكتبة الوَطَنِيَّة الفرنسية، لا تُوجَدُ في دُسْتُورِ المُؤَلِّف الذي كَتَبَهُ بخَطِّه، جَعَلَت بعض المُؤَلِّفين القُدَمَاء (ابن حَجَر العَسْقَلاني) والدَّارِسِين المُحَدثِين (خَيْرِ الدِّينِ الزِّرِكْلي وشَعْبَان خَلِيفَة) يَمِيلُون إلى تأخُّر تأريخ وَفَاتِه على هذه التَّوَاريخ المذكورة في نُسْخَة المكتبة الوَطَنِيَّة الفرنسية.
وحَقِيقَةُ الأمْر أَنَّ التَّاريخَ الذي ذَكَرَهُ ابن حَجَر العَسْقلاني وأَثَارَ كلَّ هذا الاضْطِرَاب، وَرَدَ مُصَحَّفًا في نَشْرَةِ الكتاب ولم يَقُل به ابْنُ حَجَر. فالذي وَرَدَ في هذه النَّشْرَة، نَقْلًا عن ابن النَّجَّار، هو:"وقال أبو طَاهِر الكَرَجِيّ: مَاتَ في شَعْبَان سَنَة ثَمَانٍ وثَلاثين". واسْتَنْتَجَ الذين اعْتَمَدُوا هذه الرِّوَايَة أَنَّه لا يمكن أنْ