للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذِكْرُ ما جَاءَ به مَاني وقَوْله في صِفَة القَدِيم وبِنَاء العَالَم والْحُرُوب التي كانت بَيْن النُّور والظُّلْمَة

قال مَاني: مَبْدَأُ العَالَم كَوْنَان: أَحَدُهُما نُورٌ والآخر ظُلْمَةٌ، كلُّ وَاحِدٍ منهما مُنْفَصِلٌ من الآخر. فالنُّورُ هو العَظِيمُ الأوَّل، ليس بالعَدَدِ، وهو الإله مَلِك جِنَان النُّور، وله خَمْسَةُ أَعْضَاءِ: الحِلْمُ والعِلْمُ والعَقْلُ والغَيْبُ والفِطْنَةُ، وخَمْسَةٌ أُخَرَ رُوحَانِيَّة وهي: الحُبُّ والإيمَانُ والوَفَاءُ والمَوَدَّةُ والحِكْمَةُ. وزَعَمَ أَنَّه بصِفَاتِه هذه أزَليٌّ، ومَعَهُ شَيْئَانِ اثْنَانِ أَزَلِيَّان: أَحَدُهُما الجَوُّ والآخَرُ الأَرْض.

قال ماني: وأَعْضَاءُ الجَوّ خَمْسَة: الحِلْمُ والعِلْمُ والعَقْلُ والغَيْبُ والفِطْنَةُ، وأعْضَاءُ الأَرْضِ: النَّسِيمُ والرِّيحُ والنُّورُ والمَاءُ والنَّارُ. والكَوْنُ الْآخَرُ، وهو الظُّلْمَة، وأَعْضَاؤُهَا خَمْسَة: الضَّبَابُ والحَرِيقُ والسَّمُومُ والسُّمُّ والظُّلْمَة.

قال مَانِي: وذلك الكَوْنُ النَّيِّر مُجَاوِرٌ للكَوْنِ المُظْلِم لا حَاجِزَ بَيْنَهُما، والنُّورُ يَلْقَى الظُّلْمَة بصَفْحَته، ولا نِهَايَة للنُّورِ من عُلُوّه ولا يَمْنَتِه ولا يَسْرَتِه، ولا نِهَايَةَ للظُّلْمَةِ في السِّفْلِ ولا في اليَمْنَة واليَسْرَة.

قال مَانِي: ومنْ تِلْكَ الأرْضِ المُظْلِمَة كان الشَّيْطَانُ، لا أن يكون أَزْليًّا بِعَيْنِه ولكنَّ جَوَاهِرَه كانت في عَنَاصِرِه أَزَليَّة، فاجْتَمَعَت تِلْكَ الجَوَاهِرُ من عناصِرِه فتَكَوَّنَت شَيْطَانًا، رَأْسُه كَرَأس أسَد وبَدَنُهُ كبَدَن تِنِّين وجَنَاحُهُ كجَنَاحِ طَائِرٍ وذَنَبُهُ كذَنَبِ حُوت وأرْجُلُهُ أَرْبَعٌ كأَرْجُل الدَّوَاب. فلمَّا تَكَوَّنَ هذا الشَّيْطَانُ من الظُّلْمَةِ وتَسَمَّى إبْليس القَديم، ازْدَرَدَ واسْتَرَط وأَفْسَدَ، ومَرَّ يَمْنَةً ويَسْرَةً، ونَزَلَ إلى السِّفْل، في كلِّ ذلك يُفْسِدُ ويُهْلِكُ مَنْ غَالَبَهُ. ثم رَامَ العُلُوَّ فَرَأَى لَمَحَاتِ النُّور