للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حِكَايَةٌ في الرَّأس

قال الرَّجُلُ المُقَدَّمُ ذِكرُه (١)، إنَّه رَأْسُ إنْسَانٍ صُورَتُه عُطَارِدِيَّة، على ما يَعْتَقِدُونَه في صُوَر الكَوَاكِب. يُؤْخَذ ذلك الإنْسَان، إِذَا وُجِدَ على الصُّورَةِ التي يَزْعُمُون أَنَّها عُطَارِدِيَّة، بحِيلَة وغِيلَة، فيُفْعَل به أشْيَاءٌ كَثِيرَة، منها يُقْعَدُ في الزَّيْت والبُورَق مُدَّةً طَوِيلَة حتى تَسْتَرْخِي مَفَاصِلُه وتَصِيرُ في حَالَةٍ إِذَا جُذِبَ رَأْسُه انْجَذَب من غير ذَبْح فيما أرَى، ولذلك يُقَالُ: "فُلانٌ في الزَّيْت"، مَثَلٌ قَدِيمٌ. هذا إذا كان في شِدَّةٍ، يَفْعَلُون ذلك في كلِّ سَنَة، إذا كان عُطَارِد في شَرَفِه. ويَزْعُمُونَ أَنَّ نَفْسَ ذلك الإِنْسَان تَتَرَدَّد من عُطَارِد إلى هذا الرَّأْس، ويَنْطِق على لِسَانِه ويُخْبِر بما يَحْدُث، ويُجِيبُ عمَّا يُسْأَل عنه. لأنّهم يَزْعُمُون أَنَّ طَبيعَةَ الإِنْسَانِ أَلْيَقُ وأَشْبَهُ بطَبيعَة عُطَارِد من سَائِرِ الحَيَوَان وأقْرَبُ إليه بالنُّطْق والتَّمْييز، وغير ذلك ممَّا يَعْتَقِدُونَه فيه. فتَعْظِيمُهُم لهذا الرَّأس وحِيلَتُهُم فيه وما يَعْمَلُونَه قَبْل أَخْذِه عن الجُثَّة وبعد ذلك وما يَتَّخِذُونَه من جُثَّتِه أَيْضًا بعد أخْذِ الرَّأْس عنها، طَوِيلًا مُثْبَتًا في كِتَابٍ لهم يُلَقَّب بـ "الكِتَاب الحَاتِفِي" (a)، لهم فيه عَجَائِبُ من النَّيْرِنْجات ورُقًى وعُقَدٌ وصُورٌ وتَعْليقاتٌ من أعْضَاءِ حَيَوَان مُخْتَلِفَة الأَجْنَاس، مِثْل: خِنْزِير وحِمَار وغُرَاب وغير ذلك، وتَدْخِينَات وتَمَاثِيل حَيَوَانَات تُنْقَش على فُصُوصِ الخَوَاتِم، تَصْلُح بزَعْمِهم لفُنُون. وشَاهَدْتُ أكْثَرَها مَنْقُوشًا على فُصُوصِ خَوَاتمهم إلى هذه الغَايَة، وسَأَلْتُهم عنها فزَعَمُوا أَنَّهُم يُصِيبُونَها في قُبُورِ مَوْتَاهُم القَدِيمَة يَتَبَرَّكُونَ بها (b).


(a) الأصول بغير نقط.
(b) بعد ذلك في الأصل بياض اثنى عشر سطرًا وصفحة ٢٩٥ وكلها.