للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأَقَامُوا مُتَسَتِّرين بالإسلام، فكانُوا يَتَزَوَّجُون بنِسَاءٍ حَرَّانِيَّات، ويَجْعَلُون الوَلَد الذَّكَر مُسْلِمًا والأنْثَى حَرْنَانِيَّة. وهذه كانت سَبِيلُ كُلِّ أَهْلِ تَرْعُوز وسَلْمَسِين، القَرْيَتَيْن المَشْهُورَتَين العَظِيمَتَيْن بالقُرْبِ من حَرَّان (١)، إلى منذ نحو عِشْرين سَنَةٍ، فإِنَّ الشَّيْخَيْن المعروفين بأبي زُرَارَة وأبي عَرُوبَة عُلَمَاء شُيُوخ أَهْلِ حَرَّان بالفِقْه والأمْرِ بالمَعْرُوف، وسَائِر مَشايخ أهْل حَرَّان وفُقَهائِهم، احْتَسَبُوا عليهم، ومَنَعُوهم أنْ يَتَزَوَّجُوا بِنِسَاءٍ حَرَّانِيَّات - أغني صَابِئَات - وقالوا: لا يَحِلّ للمُسْلِمين نِكَاحُهم، لأنَّهم لَيْسُوا من أهْلِ الكِتَاب.

وبحَرَّان أَيْضًا مَنَازِلُ كثيرةٌ إلى هذه الغَايَة، بَعْضُ أَهْلِها حَرْنَانِيَّة ممَّن كان أَقَامَ على دِينِه في أيَّام المأمون، وبَعْضُهم مُسْلِمُون، وبَعْضُهم نَصَارَى ممَّن كان دَخَلَ في الإسلام وتنصَّرَ في ذلك الوَقْت إلى هذه الغَايَة، مِثْل قَوْمٍ يُقَالُ لهم بنو أبْلُوط، وبنو أقنْطَرَانَ وغيرهم، مَشْهُورِين بحَرَّان.


= ٢٠٦، وفيه أنّ هؤلاء الحَرَّانِيَّة ليسوا هم الصَّابِئَة بالحقيقة، بل هم المسمون في الكُتُب بالحُنَفَاء والوَثَنِيَّة، فإنَّ الصَّابئة هم الذين تَخَلَّفُوا ببَابِل من جملة الأسْباط النَّاهضة في أيَّام كورش وأيَّام أرطشست إلى بَيت المَقْدِس ومالوا إلى شَرَائع المَجُوس فَصَبَئُوا إلى دين بُخْتَنَصَّر فَذَهَبُوا مَذْهَبًا مُمْتَزجًا من المَجُوسِيَّة واليهودية، كالسَّامِرَة بالشَّام.
(١) البيروني: الآثار الباقية ٢٠٥ (عن كتاب "بيوت العِبَادَات" لأبي مَعْشَر البَلْخِيّ). وتَرْعُوز (تَرْع عُوز). قَرْيَةٌ مَشْهُورَةٌ بحَرَّان من بناء الصَّابئة كان لهم بها هَيْكَلٌ باسْم الزُّهْرَة، ومَعْنَاها بلُغَة الصَّابِئَة = بابُ الزُّهْرَة (ياقوت الحموي: معجم البلدان ٢٢:٢ - ٢٣).
وسَلْمَسِين، واسْمُها القديم صَنَم سين، أي صَنَمِ القَمَر. قَرْيَةٌ قُرْب حَرَّان من نَوَاحِي الجَزِيرَة، بينها وبين حَرَّان فَرْسَخ، أي ثلاثة أميَال. (ياقوت الحموي: معجم البلدان ٢٤٠:٣).