للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كَلامٌ فِي فَضَائِلِ الكُتُب

قِيلَ لسُقراط: "أَمَا تَخَافُ على عَيْنِكَ من إدَامَة النَّظَرِ في الكُتُبِ؟ "، فقال: "إذا سَلِمَت البَصِيرَةُ لم أحْفِل بسَقَام البَصَر". وقال مَهْبُوذ: "لَوْلا ما عَقَدَتْهُ الكُتُبُ من تجارب الأولين، لانْحَلَّ مع النِّسْيَانِ عُقُودُ الآخرين". وقال بزرجمهر: "الكُتُبُ أصْدَافُ الحِكَم تَنْشَقُّ عن جَوَاهِر الشِّيَم". وقال آخَرُ: "هذه العُلُومُ فَوارِدُ فاجْعَلُوا الكُتُب لها نظامًا، وهذه الأبياتُ شَوَارِد فاجْعَلُوا الكُتُبَ لها زِمَامًا".

ولكُلْثُوم بن عَمْرو العتابي (١): [الطويل]

لَنَا نُدَمَاءُ ما يُمَلُّ حَدِيثُهُم … أمينُونَ مَأْمُونُونَ غَيْبًا وَمَشْهَدا

يُفيدونَنَا مِنْ عِلْمِهِمْ عَلِمَ مَا مَضَى … وَرَأيَا وَتَأدِيبًا وَأَمْرًا مُسَدَّدًا

بلا علةٍ تُخْشَى ولا خَوْفٍ رِيبَةٍ … وَلا نَتَّقِي مِنْهُم بَنَانًا ولا يَدًا

فَإِنْ قُلْتَ هُم أَحْياءُ لَسْتَ بِكَاذِب … وَإنْ قُلْتَ هُم مَوْتَى فَلَسْتَ مُفَنَّدًا

وقال نَطَّاحَةُ، واسْمُهُ أَحْمَدُ إسْمَاعِيلَ ويُكنى أبا علي، وسيمُرُّ ذِكْرُه مُسْتَقْصًى (٢)، في صِفَةِ الكِتاب: "الكِتَابُ هو المُسَامِرُ الذي لا يبتدئك في حَالِ شُغْلِك، ولا يَدْعُوك في وَقْتِ نَشَاطِك، ولا يُحْوِجُك إلى التجمُّل له، والكِتَابُ هو الجليس الذي لا يُطْرِيكَ والصَّدِيقُ الذي لا يُغْرِيكَ والرَّفِيقُ الذي لا يملك والنَّاصِحُ الذي لا يَسْتَزيدُك" (٣).

وأَنْشَدَني السَّرِيُّ بن أحمد الكِنْدِي (٤) لنفسه، قال: كَتَبْتُ على ظَهْرِ جُزْءٍ


(١) فيما يلي ٣٧٦؛ وقارن مع القفطي: إنباه الرواة ١٢٩:٣ - ١٣٠.
(٢) فيما يلي ٣٨٧.
(٣) قارن مع الجاحظ: الحيوان ٥٠:١ - ٥١؛ وفيه ما نَسبَهُ النَّديمُ لنَطَّاحَة.
(٤) هو السري الرَّفَّاءُ الشَّاعرُ المشهور، المتوفى =