للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فاسْتَخْرَجَها أَهْلُ هذا الشَّأن مثل يُوحَنَّا وغيره، وكانت أَسْمَاءَ الجَيْش ومَبْلَغَ أرْزَاقِهم، وكانت الكُتُبُ في نِهَايَة نَتِن الرَّائِحَة حتى كأَنَّ الدِّبَاغَةَ فَارَقَتْها عن قُرْب. فلَّما بَقِيَت يبَغْدَاد حَوْلًا، جَفَّت وتَغَيَّرَت وزَالَت الرَّائِحَةُ عنها. ومنها في هذا الوَقْتِ شيءٌ عند شَيْخنا أبي سُلَيْمَان (١).

ويُقَالُ إِنَّ سَارْوَيْه أَحَدُ الأبْنِيَة الوَثِيقَة القَدِيمَة المُعْجِزَة البِنَاء، وتُشَبَّه في المَشْرِقِ بالأَهْرَامِ التي بمصر من أرْضِ المغرب في الجَلالَةِ وإعْجَازِ البِنَاء (٢).

حِكَايَةٌ أُخْرَى

كانت الحِكْمَةُ في القَدِيم مَمْنُوعًا منها إلَّا مَنْ كَانَ مِن أَهْلِهَا وَمَنْ عُلِمَ أَنَّه يَتَقَبَّلُها طَبْعًا. وكانت الفَلاسِفَةُ تَنْظُرُ في مَوَالِيد مَنْ يُريدُ الحِكْمَة والفَلْسَفَة، فإِنْ عَلِمَت منها أنَّ صَاحِبَ المَوْلِد في مَوْلِدِه حُصُولُ ذلك له اسْتَخْدَمُوه ونَاوَلُوه الحِكْمَة وإلَّا فلا.

وكانت الفَلْسَفَةُ ظَاهِرَةً في اليُونَانِيين والرُّوم قَبْل شَرِيعَة المَسيح فلمَّا تَنَصَّرَتِ الرُّومُ مَنَعُوا منها وأحْرَقُوا بَعْضَهَا وخَزَنُوا البَعْضَ، ومُنِعَ النَّاسُ من الكَلام في شيءٍ من الفَلْسَفَة إِذْ كانت بضِدِّ الشَّرَائِعِ النَّبَوِيَّة.

ثم إنَّ الرُّومَ ارْتَدَّت عَائِدَةً إلى مَذَاهِبِ الفَلاسِفَة، وكان السَّبَبُ في ذلك أنَّ ليولْيَانُس مَلِك الرُّوم - وكان يَنْزِل بأنْطاكية وهو الذي وَزَرَ له ثامَسْطُيُوس مُفَسِّر كُتُب أرِسْطاطالِيس - لمَّا قَصَدَه شَابُور ذو الأكْتَاف، وظَفِرَ به ليولْيَانس، إمَّا في حَرْبه له وإما لأنَّ سَابُور - كما يُقَالُ - مَضَى إِلى أَرْضِ الرُّومِ لِيَقْبِض أَمْرَهَا فَفَطِنَ لَهُ وقَبَضَ عليه، والحِكَايَةُ في ذلك مُخْتَلِفَة.


(١) رُبَّما قصد أبا سليمان المَنْطِقي السِّجِسْتاني (فيما يلي ٢٠٣).
(٢) يَتَّفِق نَصُّ حَمْزَة الأصْبَهَاني هنا كذلك مع نَصِّ النَّديم: تاريخ سنيّ ملوك الأرض ٢٠١؛ الشهرزوري: نزهة الأرواح ٥٣ (عن النَّديم).