للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الإسْكَافي

قال البَلْخِيُّ (١): هو أبو جَعْفَر محمَّدُ بن عبد الله الإسْكَافيِ (٢)، وأصْلُهُ من سَمَرْقَند. وكان عَجِيبَ الشَّأن في العِلْمِ والذَّكَاءِ والمَعْرِفَةِ وصِيانَةِ النَّفْسِ ونُبْلِ الهِمَّة والنَّزَاهَة عن الأدْنَاس، بَلَغَ في مِقْدارِ عُمْرِه ما لم يَبْلُغُهُ أَحَدٌ نُظَرَائِه. وكان المُعْتَصِمُ قد أُعْجِبَ به إعْجَابًا شَدِيدًا فَقَدَّمَه ووَسَّعَ عليه (٣).

وبلغني أنَّه كان إذا تَكَلَّمَ، أَصْغَى إليه وسَكَتَ مَنْ فِي المَجْلِسِ فلم يَنْطِقوا بحَرْفٍ حتَّى إذا فَرَغَ، نَظَرَ المُعْتَصِمُ إليهم وقال: "مَنْ يَذْهَب عن هذا الكلام والبيان". وكان يقول له: "يا محمَّد اعْرِض هذا المَذْهَب على المَوَالي، فمن أبَى منهم فعَرِّفْني خَبَرَهُ لأَفْعَلَ به وأَفْعَل".

ومَاتَ الإسْكَافيِ سَنَة أرْبَعين <ومائتين>، فلمَّا بَلَغَ محمَّد بن عِيسَى بَرْغُوث (٤) مَوْتَه سَجَدَ فماتَ بَعْدَه بسِتَّة أَشْهُر.

وكان الإسْكَافي أَوَّلًا خَيَّاطًا وكان أبُوهُ وأمُّهُ يَمْنَعانه من الاخْتلافِ في طَلَبِ الكَلامِ ويَأْمُرانِه بلُزُومِ الكَسْب، فضَمَّه جَعْفَرُ بن حَرْبٍ إليه، وكان يَبْعَثُ إلى أُمِّه في كلِّ شَهرٍ عِشْرِين دِرْهَمَا بَدَلًا من كَسْبِه.


(١) في كتاب "مَحَاسِن خُرَاسَان"، الذي اعتمد عليه النَّديمُ في إثبات تراجم مُصَنِّفِي المُعْتَزِلَة.
(٢) راجع ترجمته عند المسعودي: مروج الذهب ٢١:٥؛ القاضي عبد الجبار: فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة ٢٨٥؛ الخطيب البغدادي: تاريخ مدينة السلام ٣: ٤١٨؛ الذهبي: سير أعلام النبلاء ٥٥٠:١٠ - ٥٥١؛ ابن حجر: لسان الميزان ٥: ٢٢١؛ ابن المرتضى: طبقات المعتزلة ٧٨؛ RED، El ٢ art. al - Iskâfî IV، p. ١٣٢; J. van Ess، Theologie VI، pp. ٣٠١ - ١٢.
(٣) ابن حجر: لسان الميزان ٥: ٢٢١ (عن النَّديم).
(٤) أبو عبد الله محمد بن عيسى بَرْغُوث الجَهْمِيّ: أحَدُ مَنْ كان يُناظِرُ الإمام أحمد وَقْت المِحْنَة (أبو القاسم البلخي: باب ذكر المعتزلة ٧٥، القاضي عبد الجبار: فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة ٢٥٧؛ وفيما يلي ٦٠٨ - ٦٠٩.