للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَشْرُوعُ نَشْرَة محمَّد بن تَاوِيت الطَّنْجِي

وفي الوَقْتِ نفسه كان هُنَاكَ مَشْرُوعٌ آخَر لإخْرَاجِ نَشْرَةٍ نَقْدِيَّةٍ لكتابِ "الفِهْرِسْت" يَقُومُ بها في تركيا العالم المغربي الرَّاحِل محمد بن تاويت الطَّنْجِي، المتوفَّى سَنَة ١٣٩٤ هـ / ١٩٧٤ م (١)، الذي أمْضَى شَطْرًا كبيرًا من حَيَاتِهِ العِلْمِيَّة في دِرَاسَة ابن خَلْدُون والنَّديم، على النَّمَطِ الصَّعْبِ من العَمَلِ، وحَاوَلَ أَنْ يُثْرِي كتاب "الفِهْرِسْت" - كما يقول الأستاذ إبراهيم شَبُّوح - بالبَيَانَات التي تَجْعَلُ منه بحَقٍّ مَصْدَرًا لا يُدَانَى فِي التَّعْريف بأصُولِ الثَّقَافَة العَرَبيَّة.

ففي أوَائِل سِتِّينيات القَرْنِ العِشْرِين - وكان الطَّنْجي في زِيَارَة لِدِمَشْق - أطْلَعَ صَدِيقَه وأَسْتَاذِي العَالِم التُّونُسي الكَبِير إبراهيم شَبُّوح - حَفِظَه الله (وكان مُقِيمًا بها وَقْتَها خَبِيرًا بالمُدِيرِيَّة العَامَّة للآثَار والمَتَاحِف) على عَمَلِه في "الفِهْرِسْت"؛ الذي كَتَبَ يقول: "وأطْلَعَني على قِطْعَةٍ منه بخَطِّه أفْرَدَ فيها النَّصَّ مَضْبُوطًا بدِقَّة بعد أنْ قَابَلَ نُسْخَة شيستربيتي على نُسْخَة إستانبول (؟) وأثْبَتَ الفُرُوقَ في حَيِّزٍ خاصّ، ثم عَرَّفَ بالمؤلِّفين والكُتُبِ وبالمُصْطَلَحِ تَعْرِيفًا مُرَكَّزًا شَامِلًا، وفيه إشَارَاتٌ لأرْقَام الرَّسَائل والكُتُب المَخْطُوطة بمكتبات تركيا. وذَكَر لي أنَّه اسْتَفَادَ كثيرًا من الكِتاب الذي صَنَّفَهُ الشَّيْخُ محمَّدُ الصَّفَائِحيّ التُّونُسِيّ ورَتَّبَ فيه كُلَّ مَخْطُوطات تركيا على المُؤَلِّفِين. وأعْتَبِرُ عَمَلَهُ في "الفِهْرِسْت" - بالجِدِّيَّة والعِلْم اللَّذَيْن عُرِفَ بهما الطَّنْجِيّ - من أجْرأ مَوَاقِف المُحَقِّقين العَامِلين في التُّرَاث، فقد اقْتَحَمَ العَمَلَ فيه، تَحَدِّيًا لتأكِيدِ مَعْرِفَتِه الوَاسِعَة وقُدْرَتِه على إنْجَازٍ كان يمكن أنْ يَصْرفَه للأسْهَل المُيَسَّر. وكان


(١) الزركلي: الأعلام ٦٢:٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>