للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأَنْكَرَها، ثم رَآها مُتَعَالِيَةً فَارْتَعَدَ وتَدَاخَلَ بَعْضُه في بَعْضٍ ولَحِقَ بعَنَاصِرِه. ثم إِنَّه رَامَ العُلُوَّ، فعَلِمَت الأرْضُ النَّيِّرة بأمر الشَّيْطَان وما هَمَّ به من القِتَالِ والفَسَادِ، فلمَّا عَلِمَت به، عَلِمَ به عَالَمُ الفِطْنَة ثم عَالَمُ العِلْم ثم عَالَمُ الغَيْب ثم عَالَمُ العَقْل ثم عَالَمُ الحِلْم. قال: ثم عَلِمَ به مَلِكُ جِنَانِ النُّور فاحْتَال لقَهْرِهِ. قال: وكان جُنُودُه أوَلَئِك يَقْدِرُون على قَهْرِه ولكنَّه أَرَادَ أَنْ يَتَوَلَّى ذلك بنَفْسِهِ، فَأَوْلَدَ برُوح يَمنَتِه وبِخَمْسَة عَالَميْه وبعَنَاصِرِ (a) الاثْني عَشَر، مَوْلُودًا وهو الإنْسَانُ القَدِيم، ونَدَبَهُ لِقِتَالِ الظُّلْمَة.

قال: فتَدَرَّعَ الإِنْسَانُ القَدِيم بالأجْنَاسِ الخَمْسَة، وهي الآلهة الخَمْسَة: النَّسِيمُ والرِّيحُ والنُّورُ والمَاءُ والنَّارُ، واتَّخَذَهُم سِلاحًا. فأوَّلُ ما لَبِسَ النَّسيم وارْتَدَى على النَّسيم العَظِيم بالنُّور المُشِعّ، وتَعَطَّف على النُّور بالمَاءِ ذي الهَبَاءِ، واكْتَنَّ بالرِّيح الهَابَّة. ثم أَخَذَ النَّارَ بيَدِه كالمَجِنّ والسَّنَان، وانْحَطَّ بسُرْعة <من الجِنَان> إلى أنِ انْتَهَى إلى الحَدِّ ممَّا يَلي الحَرْبِيّ.

وعَمَدَ إبْلِيسُ القَدِيم إلى أجْنَاسِه الخَمْسَة، وهي: الدُّخَانُ والحَرِيقُ والظُّلْمَةُ والسَّمُومُ والضَّبَابُ، فَتَدَرَّعَها وجَعَلَها جُنَّةً له، ولَقِيَ الإِنْسَانَ القَدِيم فاقْتَتَلُوا مُدَّةً طَوِيلَةً، واسْتَظْهَرَ إبْلِيسُ القَدِيم على الإنْسَانِ القَدِيم، واسْتَرَط من نُورِه، وأحَاطَ به مع أجْنَاسه وعَنَاصِرِه، وأَتْبَعَهُ مَلِكُ جِنان النُّور بآلِهَةٍ أَخَر، واسْتَنْقَذَهُ واسْتَظْهَرَ على الظُّلْمَة. ويُقَالُ لهذا الذي أتْبَعَ به الإنْسَان، "حَبِيب الأنْوَار"، فنَزَلَ وتَخَلَّصَ الإِنْسَانُ القَدِيمُ من الجَهَنَّمَات مع ما أَخَذَ وأسر من أَرْوَاحِ الظُّلْمَة.

قال: ثم إِنَّ البَهْجَةَ ورُوحَ الحَيَاةِ ظَعَنَا إلى الحَدِّ، فنَظَرَا إلى غَوْرِ تِلْكَ الجَهَنَّم (b) السُّفْلَى، وأَبْصَرَا الإِنْسَانَ القَدِيمِ والمَلَائِكَة وقد أحَاطَ إبْلِيسُ والزَّجْرِيُّون العُتَاة والحَيَاةُ المُظْلِمَة.


(a) الأصْل: بعناصيره.
(b) كذا بالنسخ بالألف واللام.