للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقَدِمَ بَغْدَادَ فَضَمَّهُ الرَّشِيدُ إلى وَلَدَيْه المأمون والأمين (١).

قَرَأْتُ بخط أبي الطَّيِّب <ابن أُخَيّ الشَّافِعِي> (a) قال: أَشْرَفَ الرشيدُ على الكِسَائِيّ وهو لا يَرَاه، فقَامَ الكِسَائِيُّ ليَلْبِس نَعْلَهُ لحاجَةٍ يُرِيدُها، فابْتَدَرَها الأَمِينُ والمأمُونُ فوَضَعَاها بين يَدَيْهِ، فَقَبَّلَ رُءُوسَهُما وأَيْدِيَهُما، ثم أَقْسَمَ عليهما ألا يُعَاوِدَا. فلمَّا جَلَسَ الرَّشِيدُ مَجْلِسَه قال: "أيُّ النَّاسِ أَكْرَمُ خَادِمًا؟ "، قالوا: "أميرُ المؤمنين أعَزَّه الله". قال: "بل الكِسَائِي، يَخدمه الأمِينُ والمأمُونُ"، وحَدَّثَهُم الحديث (٢).

قال: ولما اشْتَدَّت عِلَّةُ الكِسَائِيّ بالرَّيِّ جَعَلَ الرَّشِيدُ يَدْخُلُ عليه يَعُودُه دَائِمًا، فَسَمِعَه يَوْمًا يُنْشِدُ: [الكامل]

قَدَرٌ أَحَلَّكَ ذَا النُّخَيْلِ وقَدْ أَرَى … وأبيكَ ما لَكَ ذُو النُّخَيلِ بِدَارٍ

إلا كَدَارِكُمُ بِذِي بَقَرِ الحِمى … هَيْهَاتَ ذُو بَقَرٍ مِنَ المُزْدَارِ

فَخَرَجَ الرَّشِيدُ وقال: "ماتَ الكِسَائِيُّ والله". قيل: "وكَيْفَ يا أميرَ المؤمنين؟ "، قال: "لأنَّه حَدَّثَني أَنَّ أَعْرابِيًّا كان يَنْزِلُ عليه، فاعْتَلَّ فتَمَثَّل بهذا البيت ومَاتَ عنده". قال: فمَاتَ الكِسَائِيُّ من يَوْمِه.


(a) إضافة من ياقوت الحموي.