للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأَمَرَ إيتاخُ كاتِبَه بتَوَلِّي ذلك. فبَعَثَ إلى الطُّوَالِ والأحْمَر وابن قَادِم وأحمد بن عُبَيْد وغيرهم من الأدَبَاء، فأَحْضَرَهُم مَجْلِسَه، فَجَاءَ أَحمدُ بن عُبَيْد فَقَعَدَ فِي آخِر النَّاس. فقال له مَنْ قَرُبَ منه: "لو ارْتَفَعْتَ"، فقال: "<بل أجْلِسُ> (a) حَيْثُ انْتَهى بيَ المَجْلِس". فلمَّا اجْتَمَعُوا قال لهم الكاتِبُ: "لو تَذاكَرْتُم وَقَفْنَا على مَوْضِعِكُم من العِلْمِ فَاخْتَرْنَا". فَأَلْقَوا بينهم بَيْتًا لابن غَلْفَاء (b) (١) : [الوافر]

ذَريني إنَّما خَطَئِي وَصَوْبي … عَلَيَّ وَإِنَّ مَا أَنْفَقْتُ مَالُ

فقالوا: ارْتَفَعَ مَالُ بـ "ما"، إذ كانت مَوْضِع "الذي". ثم سَكَتُوا. فقال لهم أحمدُ من آخِر النَّاس: "هذا الإعْرَاب، فما المَعْنَى؟ " فأَحْجَمَ القَوْمُ، فقيل له: "ما المَعْنَى عندك؟ " قال: "أَرَادَ ما لَوْمُكَ إِيَّاي وإِنَّما أَنْفَقْتُ مَالٌ، لم أَنْفِقْ عَرَضًا. فالمالُ لا أُلامُ على إِنْفَاقِه. فَجَاءَه خَادِمٌ من صَدْرِ المَجْلِسِ فَأَخَذَ بِيَدِه حتى تَخَطَّى به إلى أعْلاه وقال <له> (a): " ليس هذا مَوْضِعَكَ". فقال: "لأن أكونَ في مَجْلِسٍ أرْتَفِعُ منه إلى أعْلاه أحَبُّ إليَّ من أَنْ أَكُونَ فِي مَجْلِسِ ثم أُحَطُّ عنه". واخْتِيرَ وآخَرُ معه، وهو ابن قَادِم (٢).


(a) إضافة من ياقوت الحموي.
(b) عند ياقوت الحموي: لابن عَنْقاء الفزاري.