للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وتُوفِّي أبو الهُذَيْل في أوَّلِ خِلافَة المُتَوَكِّل في سَنَة خَمْسٍ وثَلاثين ومائتين، وكانت سِنُّه مائة سَنَة، ولَحِقَه في آخِر عُمْرِه خَرَفٌ، إلَّا أنَّه كان لا يُذْهِب عليه أصُولَ المَذْهَبِ ولكنَّه ضَعُفَ عن مُنَاهَضَةِ المَناظِرين وحِجَاحِ المُخَالِفِين، وضَعُفَ خَاطِرُه.

قال: ماتَ ابنٌ لِصَالح بن عبد القُدُّوس (١) فَجَزِعَ عليه، ووَافَاهُ أبو الهُذَيْل كالمُتَوَجِّع له فرَآه جَزِعًا، فقال له أبو الهُذَيْل: "لا أُعْرِفُ لَجَزَعِكَ عليه وَجْهًا، إذْ كان الإنْسَانُ عندك كالزَّرْع". قال صَالِحُ: "يا أبا الهُذَيْل، إِنَّمَا أَجْزَعُ عليه لأنَّه لم يَقْرأْ كِتَابَ "الشُّكُوك""، فقال له: "كِتَابُ "الشُّكُوكِ" ما هُوَ يا صَالِح؟ ". قال: "هو كِتَابٌ وَضَعْتُه مَنْ قَرَأه يَشُكُّ فيما كان حتى يَتَوَهَّم أنَّه لم يَكُن وما لم يَكُن حتى يَتَوَهَّم أنَّه قد كان". قال له أبو الهُذَيْل: "فَشُكَّ أَنْت فِي مَوْتِ ابْنِك واعْمَل على أنَّه لم يَمُت وإنْ كان قد مَاتَ، وشُكَّ أيضًا في أَنَّه قد قَرَأَ كِتَابَ "الشُّكُوك" وإنْ كان لم يَقْرأه".

ولأبي الهُذَيْل كِتَابٌ يُعْرَفُ بـ "مِيلاس"، وكان مِيلاسُ مَجُوسِيًّا وكان سَبَبُ إسْلامِه أَنَّه جَمَعَ بين أبي الهُذَيْل وبين جَمَاعَةٍ من الثَّنْوِيَّة، فقَطَعَهُم أبو الهُذَيْل، فأَسْلَمَ مِيلاسُ عند ذلك (٢).

ولأبي الهُذَيْل وَلَدٌ اسْمُهُ الهُذَيْل وكان مُتَكَلِّمًا ولا كِتَابَ له. وعَرَضَ لأبي الهُذَيْل مُسْتَقْفٍ فَأَخَذَ بتلابيبه، وقال انْزَع ثِيابَك حتى أَنْظُرَ أيَّ حُجَّةٍ لك في هذا.


(١) صَالِحُ بن عبد القُدُّوس. شاعِرٌ كان يَعِظُ النَّاسَ بالبصْرَة ويَقُصُّ عليهم، وله كلامٌ حَسَنٌ في الحكمة. قال المَرْزُباني: كان زِنْديقًا مُتكلِّمًا يقدمه أصحابُه في الجَدَل. قَتَلَه الخليفةُ المَهْدي على الزَّنْدَقَة، نحو سنة ١٦٠ هـ/٧٧٧ م. (الخطيب البغدادي: تاريخ مدينة السلام ٤١٣:١٠ - ٤١٥؛ ياقوت الحموي: معجم الأدباء ٦:١٢ - ١٠؛ الصفدي: الوافي بالوفيات ٢٦٠:١٦ - ٢٦١، وانظر فيما تقدم ٥١٥ وفيما يلي ٤٠٤:٢).
(٢) الصفدي: الوافي بالوفيات ١٦٢:٥ - ١٦٣.
وعند القاضي عبد الجبار: "ومُنَاظَراتُه مع المَجُوس والثَّنَوِيَّة وغيرهم كثيرةٌ طويلةٌ مُدَوَّنَةٌ في "المَسَائِل" (فضل الاعتزال ٢٥٤). ونَقَلَ عنه الملاحمي في كتاب المعتمد في أصول الدين ٦٣٦ - ٦٤٤.