للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مَذَاهِبَ الشِّيعَة للمُلُوك ومَذَاهِبَ الصُّوفِيَّة للعَامَّة. وفي تَضَاعِيفِ ذلك يَدَّعي أنَّ الإلَهِيَّة قد حَلَّت فيه، وأنَّه هُوَ هُوَ، تَعَالى الله جَلَّ وتَقَدَّسَ عَمَّا يَقُولُ هؤلاء عُلُوًّا كَبِيرًا.

قال: وكان يَتَنَقَّلُ في البُلْدَانِ، ولمَّا قُبِضَ عليه سُلِّمَ إلى أبي الحَسَن عليّ بن عِيسى، فنَاظَرَه فَوَجَدَه صِفْرًا من القُرْآن وعُلُومِه ومن الفِقْهِ والحَدِيثِ والشِّعْرِ وعُلُومِ العَرَب. فقال له عليُّ بن عِيسى (١): "تَعَلُّمك لطُهُورِك وفُرُوضِك أَجْدَى عليك من رَسَائِل لا تَدْري أنت ما تَقُول فيها. كَمْ تَكْتُب وَيْلَك إلى النَّاسِ: "يَنْزِلُ ذو النُّور الشَّعْشَعَاني الذي يَلْمَع بعد شَعْشَعَتِه، ما أَحْوَجَكَ إلى أدَبٍ". وأمَرَ به فصُلِبَ في الجَانِب الشَّرْقي بحَضْرَة مَجْلِس الشُّرْطَة وفي الجَانِب الغَرْبي. ثُمَّ حُمِلَ إلى دَارِ السُّلْطانِ فَحُبِسَ، فَجَعَلَ يَتَقَرَّبُ بالسُّنَّة إليهم، فظَنُّوا أَنَّ ما يَقُولُ حَقّ.

ورُوي عنه أنَّه في أوَّلِ أَمْرِه كان يَدْعو إلى الرِّضَا من آلِ محمَّد، فسُعِي به. وأُخِذَ بالجَبَل فضُرِبَ بالسَّوْط. ويُقالُ إِنَّه دَعَا أبا سَهْلٍ النَّوْبَخْتِيّ، فقال لرَسُولِه: "أنا رَأْسُ مَذْهَبٍ، وخَلْفي ألُوفٌ من النَّاسِ يَتْبَعُونَه باتِّباعي له، فأنْبِت لي في مُقَدَّم رَأسي شَعْرًا، فإِنَّ الشَّعْرَ منه قد ذَهَبَ، ما أُريدُ منه غير هذا"، فلم يَعُد إليه الرَّسُول (٢). وحَرَّكَ يَوْمًا يَدَه فَانْتَثَرَ على قَوْمٍ مِسْكًا، فَحَرَّكَ مَرَّةً أُخْرَى يَدَه فَنَثَرَ دَرَاهِم، فقال له بَعْضُ من يَفْهَم مُمَّن حَضَرَ: "أَرَى دَرَاهِمَ مَعْرُوفَة، ولكنِّي أؤمِن بك وخَلْقٌ معي، إنْ أعْطَيْتَنِي دِرْهَمًا عليه اسْمُك واسْمُ أبِيك؟ فقال: "وكَيْف وهذا لم يُصْنَع قال: "مَنْ أَحْضَرَ ما لَيْسَ بحَاضِر، صَنَعَ ما لَيْسَ بَمَصْنُوع".

ودَفَع إلى نَصْرٍ الحَاجِب، واسْتَغْوَاه. وكان في كُتُبِه: "إِنِّي مُغْرِقُ قَوْمٍ نُوحٍ،


(١) أبو الحسن عليُّ بن عيسى بن داوُد الجَرَّاح، فيما تقدم ٣٩٨.
(٢) انظر الرِّواية نفسها في ترجمة أبي سَهْل النَّوْبَخْتِي، فيما تقدم ٦٣٥.