للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الشَّمَائِل، جَالِسٌ على سَرِيرِه. قال المأمُون: وكأنِّي بين يَدَيْه قد مُلِئْتُ له هَيْبَةً. فقُلْت <لَهُ>: من أَنْتَ؟ قال: أنا أرِسْطاطالِيس. فسُرِرْتُ به وقُلْتُ: أَيُّها الحَكِيم أسْأَلُك؟ قال: سَل. قُلْت: ما الحُسْنُ؟ قال: ما حَسُنَ في العَقْلِ، قلت: ثم ماذَا، قال: ما حَسُنَ في الشَّرْع، قلت: ثم مَاذَا، قال: ما حَسُنَ عند الجُمْهُور، قلت: ثم ماذا، قال: ثم لا ثَمَّ. وفي رِوَايَةٍ أخْرى: قُلْتُ: زِدْني. قال: مَنْ نَصَحَكَ في الذَّهَب فليَكُنْ عِنْدَك كالذَّهَب، وعليك بالتَّوْحِيد (١).

فكان هذا المَنَامُ من أَوْكَدِ الأَسْبَابِ في إخْرَاجِ الكُتُب، فإِنَّ المَأمُونَ كان بَيْنَه وبَيْن مَلِك الرُّوم مراسَلاتٌ، وقد اسْتَظْهَرَ عليه المأمُون. فَكَتَبَ إلى مَلِك الرُّوم يسأله الإذْن في إِنْفَاذِ ما يَخْتَار من العُلُومِ القَدِيمَة المَخْزُونَة المُدَّخَرَة ببَلَدِ الرُّوم. فأَجَابَ إلى ذلك بعد امْتِنَاعٍ. فأَخْرَجَ المأمُونُ لذلك جَمَاعَةً منهم: الحَجَّاجُ بن مَطَر وابن البِطْرِيق وسَلْمٌ صَاحِبُ بَيْتِ الحِكْمَة وغيرُهُم، فَأَخَذُوا ممَّا وَجَدُوا ما اخْتَارُوا. فلمَّا حَمَلُوه إليه أَمَرَهُم بِنَقْلِه فنُقِلَ، وقد قِيلَ إِنَّ يُوحَنَّا بن مَاسَوَيْهِ مِمَنَّ نَفَذَ إلى بَلَدِ الرُّوم.

قال محمَّدُ بن إسْحَاق: ممَّن عُنِيَ بِإخْرَاجِ الكُتُبِ من بَلَدِ الرُّوم: محمَّد وأحمدُ والحَسَنُ بنو شَاكِر المُنَجِّم، وخَبَرُهم يجيء بعد ذلك (٢)، وبَذَلُوا الرَّغائِبَ وأَنْفَذُوا حُنَيْنَ بن إسحاق وغيره إلى بَلَدِ الرُّوم، فجاءوهُم بطَرائِف الكُتُبِ وغَرَائِبِ المُصَنَّفَات في الفَلْسَفَةِ والهَنْدَسَةِ والموسيقى والأرثْمَاطِيقِي والطِّبّ، وكان قُسْطا بن لُوقَا البَعْلَبَكِّيّ قد حَمَلَ معه شَيْئًا فَنَقَلَه ونُقِلَ له (٣).


(١) القفطي: تاريخ الحكماء ٢٩ (عن النَّديم).
(٢) فيما يلي ٢٢٤ - ٢٢٦.
(٣) القفطي: تاريخ الحكماء ٣٠؛ ابن العبري: تاريخ مختصر الدول ١٣٦؛ وفيما يلي ٢٩٣، وقارن مع ابن خلكان: وفيات الأعيان ١: ٣١٣.
وجَمَعَ فؤاد سزجين ما كُتِبَ من دراسات حول هذا الموضوع في كتاب "الفلسفة الإغريقية والعرب - نصوصٌ ودراسات"، فرانكفورت ٢٠٠٠.