للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المَرْتَبَة في الفَلْسَفَة عَظِيمَ المَحَلِّ عند المُلُوك، وعن رَأيه كان الإسْكَنْدَرُ يُمْضِي الأمُور (١). وله إليه جَمَاعَةُ رَسَائِل ومُكاتَبَات في السِّياسَة وغيرها، فمن ذلك: "رِسَالَة في السِّياسَة"، أَوَّلُها:

"أَمَّا التَّعَجُّب من مَنَاقِبك، فقد فَسَحَهُ تَواتُرها، فصَارَت كالشَّيء القَدِيم قد أُنِسَ به، لا كالحَدِيث يُتَعَجَّب منه، وأنْتَ كما تَقُولُ العَامَّةُ، لا يَكْذِب المُثْنِي عليك".

وفي هذه الرِّسَالَة: "إِنَّ النَّاسَ إِذا أَحْزَنَتْهم الشَّدَائِدُ، تَحَرَّكوا لما فيه مَصْلَحَتُهُم، فإذا صَارُوا إلى الأمْنِ مالُوا إلى الشَّرَهِ وخَلَعُوا عِذَارَ التَّحَفُّظِ، فأحْوَجُ ما يكون النَّاسُ إلى السِّنَة عند حَالِ الأمْنِ والدَّعَة".

وفيها أيضًا: "تَعَاهَدُوا الأعْدَاء بالأذَى، وذَوي التَّنَصُّل بالمَغْفِرَة، وذَوي الاعْتِرَاف بالرَّأفَة وذَوي الاغْتِيال بالمُناقَضَة، وأهْلَ البَغْي بالمُدَاخَسَة والحُسَّاد بالمُغَايَظَة، وأهْلَ السَّفَاهَة بالحِلْم وأهْلَ المُوَاثَبَة بالوَقَار، وأَهْلَ المُشَاغَبة بالمَحْقَرَة، وأهْلَ المُلادَغَة بالاحْتِراس وفي الأمْر في الشُّبُهات بالإرْجَاء والوَاضِحَات بالعَزيمَة والمُشْكِلاتِ بالبَحْث، ثم صُحْبَة المُلُوكِ بكِتْمان السِّرِّ، وإرْشَادِ الأَعْمالِ والتَّقْرِيظِ والمُلازَمَة فإنَّ هِمَّتها في نَفْسها الامْتِدَاح، وفي النَّاسِ الاسْتِعْبَاد".

وهذا كلامٌ في نِهَايَة الحِكْمَة والبَلاغَة وكَثْرَة المَعَاني، مع نَقْلِه من لُغَةٍ إلى لُغَة، فكيف به وهو على لُغَةِ قَائِلِه؟!

ويُقَالُ إِنَّ فِيلِبُس لمَّا تُوفِّي ومَلَكَ الإسْكَنْدَرُ وتَوَجَّه إلى مُحَارَبَةِ الأُمَم، تَخَلَّى أرِسْطاطالِيس وتَبَتَّلَ وصَارَ إلى أَثِينَة. فهيَّأ مَوْضِعًا للتَّعْليم، وهو المَوْضِعُ الذي يُنْسَبُ إلى الفَلاسِفَة المَشَّائين (٢). وأقْبل على العِنَايَة بمَصَالِح النَّاسِ ورَفْدِ الضُّعَفَاء، وجَدَّدَ بناء مَدِينَة أسْطاغارْيا. وأَخْبَارُه كَثيرَة، وإنَّما أَوْرَدْنا جُمْلَةً منها.


(١) القفطي: تاريخ الحكماء ٣١.
(٢) PERIPATETICS ، وهو لَقَبٌ يُطْلَقُ على أتْبَاع أرِسْطُو.