وهكذا خرّج لنا الأسنوى هذا الكتاب (الجوامع والفوارق) مع قلة حجمه، درة ثمينة يفخر بها الفقيه المسلم، ونورًا يستضئ به كل إمام باحث وكل فقيه عالم، وزخيرة قوية تفجر فى النفس همة البحث والابتكار، وتضيف إلى المكتبة الإسلامية زادًا لا غنى للفقيه عنه.
وقد جاء فى الدرر الكامنة (١) أنه لم يبيضه، بل مات عنه مسودة. وعلى ذلك يغلب على الظن أن اتجاه الأسنوى للتأليف فى هذا الفن كان فى آخر حياته، وذلك حرصًا منه على ألا يدع فنًا من فنون الفقه تكلم عنه أو يبحث فيه إلا واطلع عليه، ولعل سبب التأخير يرجع إلى أن هذا النوع من الفقه قد يحتاج إلى إلمام كامل بكل فروع الفقه ودقائقه وخوافيه؛ لأن هذا النوع من التأليف هو الذى يميز مواضع أقدار الفضلاء ومواضع مجال العلماء، لذلك لم يشأ الإمام الفاضل أن يخرج هذا الكتاب إلا وقد ألم بما وقع عليه نظره من قديم أو حديث، حتى إذا تحقق له ذلك وظن قرب أجله فى الاتجاه إليه، فبدأ فى جمعه وتصنيفه، على ترتيب أبواب الفقه.
وقد اشتمل الكتاب على جميع مباحث الفقه تقريبًا: يذكر الكتاب وما يندرج تحته من الفصول، ويتتبع كل فصل، وما يندرج تحته من المسائل، مثل: كتاب الطهارة، باب الآنية، مسألة. ثم يذكر المسألة.
هذا من جهة التنظيم والترتيب، أما جهة الموضوع: فكان فى بحثه للمسائل التى تعرض لها ينفرد بأنه قد جعل كل مسألة من مسائله كأنها بحث خاص مستقل، يذكر فيه جميع ما ورد من آراء بالصحة أو الضعف، ويعزى ذلك بدقة لقائله، مع تحديد المرجع الذى ينقل عنه.
ثم يذكر الفرق بين المسألتين على أساس الرأى الذى يختاره مبينًا ذلك إن كان هناك أكثر من قول فى المسألة، ثم إن كان الفرق الذى بين المسألتين لغيره بينه صراحة، وإن كان هذا الفرق الذى ذكره قد وجد ما يخالفه -سواء من عنده أو من عند غيره- ذكر هذا المخالف، معضدًا كل ذلك بالدليل.