ولعل هذا المنهج قد يخالف كثيرًا منهج السابقين عليه ممن ألفوا فى هذا الميدان، كما سبق عرضه؛ ولذلك تأثر به لفيف من الفقهاء الذين أتوا بعده وألفوا فى هذا النوع من الفن.
فإذا أخذنا بدر الدين البكرى صاحب "الفرق والاستثناء" السابق التعريف به نموذجًا لمن تأثر بالأسنوى فى منهجه لهذا الفن، ودرسنا كتابه "الفرق والاستثناء"، لوجدنا أنه قد تأثر إلى حد كبير بالإمام الأسنوى، ويتضح ذلك من خلال مطالعتك لهذا الكتاب.
فمثلا يذكر المؤلف القاعدة الأولى بقوله:"كل ماء مطلق لم يتغير فهو الطهور" إلا فى مسائل (١):
منها: الماء الطهور إذا استحال منه دود ثم استحال ماء، فطهور قطعًا. فلو طرح فيه من خارج؛ جرى فيه الخلاف المذكور فيما لا نفس له سائله إذا وقع فى الماء القليل ومات فيه.
وهكذا يستطرد المؤلف فى بقية المسائل المستثناة على تلك القاعدة، حتى إذا عرض له مسألة توجب الفرق ذكرها. فيقول:
"ولو وقع فى ماء قليل نجاسة معافو عنها؛ لم يضر، فإن قال قائل: قد قلتم إن المستعمل فى فرض الطهارة إذا لم يبلغ قلتين فليس بطهور، وما استعمل فى نقلها فطهور فى أصح القولين. وصححه صاحب البحر وكذا النووى فى شرح المهذب، وكل منهما مستعمل، فما الفرق؟ قيل فى الفرق بينهما: إن المستعمل فى نفل الطهارة لم تكتسب الأعضاء به صفة الفرض ولم نؤد به عبارة الفرض بانفراد، فلذلك لم يسلب عنه اسم الطهور، وليس كذلك الماء المستعمل فى ذلك؛ لأنه تأدت به عبارة مع اشتراك، واكتسبت الأعضاء به صفة، فلذلك سلب عنه اسم الطهورية، فدل على الفرق بينهما. فإن قيل: قد اكتسبت الأعضاء بما استعمل فى النفل صفة، قلنا نعم، صفة كمال عند وجود الفرض لا صفة وجوب ولا كمال مع انفراده، فدل على ما قلناه.