بالماء حصل موجب اللفظ، فبقيت المرة الثانية فيه غير منطوق بها، فتبقى على الأصل غير مقيدة، فإن الأصل فى الأشياء عدم الاعتبار فى التطهر وغيره، إلا ما وردت الشريعة به، وهذا وجه قوى حسن، ومدرك جميل.
واحتج مع هذا الوجه بقوله: إنه ماء أديت به عبادة فلا تؤدى به عبادة أخرى كالرقبة فى العنق، وبقولهم: إنه ماء الذنوب؛ لما ورد فى الحديث عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال (١): "إذا توضأ المؤمن فغسل يديه خرجت الخطايا من بين أنامله، وإذا مسح برأسه خرجت الخطايا من بين أطراف أذنيه. . " الحديث.
فدل ذلك على أن هذا الماء تخرج معه الذنوب. وإنما قلنا إنه إذا كان ماء الذنوب يكون نجسًا، لأن الذنوب ممنوع من ملامستها شرعًا. والنجاسة هى منع شرعى، فإذا حصل المنع حصلت النجاسة. والجواب عن الأول: أنكم تجوزون عتق الرقبة الكافرة فى الكفارات الواجبات، ولو أعتق عبدًا كافرًا ذميًا ثم خرج إلى أهل الحرب ناقضًا للعهد، ثم غنمناه - عاد رقيقًا، وجاز عتقه فى الواجب مره أخرى عندع؛ فما قستم عليه لا يتم على أصولكم. سلمنا صحة القياس لكنه معارض بأنه عين أديت به عبادة، فيجوز أن تؤدى به عبادة أخرى، كالثوب فى ستر الصلاة واستقبال الكعبة، وكذلك المال فى الزكاة لو اشتراه، فمن انتقل إليه من الفقراء جاز أن يخرجه فى الزكاة مرة أخرى.
وبهذا نأتى إلى ختام المبحث الأول.
* * *
(١) فى كنز العمال ٢/ ٤٢٥: خرجه أحمد والطبرانى عن أبى أمامة.