لهذا الماء وهو قولنا مطلق- لأن اللفظ يفرد فيه إذا عبر عنه، فيقال: ماء، وشربت ماء، وهذا ماء، وخلق اللَّه الماء رحمة للعالمين. . ونحو ذلك من العبارات. فأما غيره فلا يفرد اللفظ فيه، بل يقال: ماء الورد، ماء الرياحين، ماء البطيخ. . ونحو ذلك. فلا يذكر اللفظ إلا مقيدًا بإضافة أو معنى آخر. وأما فى هذا الماء فيقتصر على لفظ مفرد مطلق غير مقيد وإن وقعت الإضافة فيه بقولنا: ماء البحر، ماء البئر، ونحوها، فهى غير محتاجة إليها. بخلاف ماء الورد ونحوه - لابد من ذلك القيد وتلك الإضافة، فمن ههنا حصل الفرق من جهة اليقين واللزوم.
وأما الماء المستعمل فهو الذى أديت به طهارة وانفصل من الأعضاء، لأن الماء مادام فى الأعضاء فلا خلاف أنه طهور مطلق مادام مترددًا، فإذا انفصل عن العضو اختلف فيه: هل هو صالح للتطهر؟ وهل هو نجس أم لا؟ وهل هو ينجس الثوب إذا لاقاه أم لا؟ هذه أقوال للحنفية ولغيرها. واختلف القائلون بخروجه عن صلاحيته للتطهر: هل ذلك معللًا بإزالة المانع أو بأنه أديت به لمحربة؟ ويتخرج على القولين مسائل.
فإن قولنا: إن العلة إزالة المانع - لم يندرج فى الماء المستعمل فى الغسل فى المرة الثانية والثالثة فى الوضوء إذا نوى فى الأولى الوجوب، ولا الماء المستعمل فى تجديد الوضوء، ونحو ذلك مما لا يزيل المانع. ويندرج فيه الماء المستعمل فى غسل الذمية، لأنه أزال المانع من الوطء.
وإن قلنا: إن سبب ذلك كونه أديت به قربة - اندرج فيه الماء المستعمل فى المرة الثانية والثالثة فى تجديد الوضوء.
ولا يندرج الماء المستعمل فى غسل الذمية؛ لأنه لم تحصل به قربة - عكس ما تقدم وللقائلين بالمنع وخروجه عن كونه صالحًا للتطهر مدارك، أحسنها أن قوله تعالى:{وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا}، وقوله تعالى:{لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} - مطلق فى التطهر لا عام فيه، بل عام فى المكلفين، فإذا قال السيد لعبيده: أخرجت هذا الثوب لأغطيكم به - لا يدل ذلك على أنه يغطيهم به مرات ولا مرتين، بل يدل على أصل التغطية فى جميعهم، فإذا غطاهم به مرة حصل موجب اللفظ، وكذلك هههنا؛ إذا تطهرنا