للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فعل مختار، وهو المراد ممن فسرها بالقصد على ما يظهر من كلام الأصحاب وأهل اللغة، وربما فسرت بالعزم فى بعض عبارات الأصحاب، والمراد بالعزم الإرادة المتقدمة على الفعل" (١).

وذكر ابن عابدين فى حاشيته "وقيل: النية اسم للإرادة الحادثة، والعزم هو المتقدم على الفعل، والقصد هو المقترن به".

ولكن من تحقيق عبارات الفقهاء فى معنى النية يظهر لنا أنه لا يوجد أى فرق بينها.

وعلى هذا فيكون العزم قسمًا من أقسام النية، لا مباينًا لها، ويشهد لذلك تفسيرها بالعزم فى كتب اللغة كتفسيرها بالقصد أيضًا، وتفسيرها بالعزم فى بعض الأخبار المتواترة التى اشتملت على النية، كحديث: "نية المؤمن خير من عمله" (٢).

وعلى ما تقدم يمكن أن نقول: إن اعتبار الفقهاء المقارنة فيما اعتبروها فيه إنما هو على سبيل الشرطية، لا أن المقارنة جزء من مسمى النية؛ لأن مسمى النية الإرادة المتعلقة بالفعل من غير قيد، فمسماها كلى له نوعان: نوع اعتبرت فيه استقبالية متعلقة، وهو العزم، ونوع اعتبرت فيه حالية متعلقة وهو القصد التحقيقى، بمعنى الإرادة المؤثرة فى الفعل، وهو الذى اعتبرت المقارنة للفعل جزءًا منه.

فعلم أن مفهوم النية قدر مشترك بين النوعين، وانقسامه باعتبار انقسام الفصول


(١) جواهر الكلام: ١/ ١١٨.
(٢) هذا الحديث ذكره صاحب نهاية الإحكام وقال: هذا الحديث فى مسند الشهاب عن أنس، وفى معجم الطبرانى الكبير من حديث سهل بن سعد، والنواس بن سمعان، وفى مسند الفردوس للديلمى من حديث أبى موسى، وانظر: نهاية الإحكام ص ١١٠.
ومعنى الحديث: أن المرء ينوى الإيمان ما بقى من عمره، وينوى العمل للَّه بطاعته ما بقى أيضًا، وإنما يختاره اللَّه فى الجنة بهذه النية لا بعمله، ألا ترى أنه إذا آمن ونوى الثبات على الإيمان وأداء الطاعات ما بقى (يعنى فإنه غير ثابت حيث إنه ميت لا محالة) ولو عاشر مائة سنة يعمل الطاعات، ولا نية له فيها أنه يعملها للَّه - فهو فى النار.
فالنية عمل القلب، وهى تنفع الناوى وإن لم يعمل الأعمال، وأداؤها لا ينفعه دونها، فهذا معناه قوله: "نية الرجل خير من عمله". وانظر: لسان العرب م ١٥ طبعة بيروت ص ٣٤٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>