للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

المقسمة له إلى ما يسبق على الفعل أو يقارنه، فالمقارنة جزء من ماهية النوع، لا ماهية الجنس (١).

فالنية إن أريد بها إرادة الفعل الكلية والقصد الكلى -كانت المقارنة خارجة، وإن أريد بها القصد التحقيقى، أى الإرادة المؤثرة فى الفعل من حيث خصوصها لا من حيث اندراجها- كانت المقارنة جزءًا منها.

فتعريف النية إذن "بأنها قصد الشئ مقترنًا بفعله إنما هو بالاعتبار الثانى لا بالاعتبار الأول؛ لأن الاعتبار الثانى هو المعتبر فى غالب أبواب العبادات وغيرها، فهو من قبيل المجاز المشهور وليس من قبيل الحقيقة العرفية؛ لأن المعنى الأصلى لم يهجر فى استعمالات الفقهاء، ويدل عليه التقييد بالمقارنة فى قولهم فى باب الوضوء: "مقرونة بأول غسل جزء من الوجه".

وفى باب الصلاة "يشترط مقارنتها للتكبير". وقول الإمام الشافعى فى الأم والمختصر: "والنية مع التكبير لا تتقدم عنه ولا تتأخره". ونحو ذلك من العبارات.

فذكر قيد المقارنة واشتراطها دليل على أنهم أرادوا بالنية معناها الكلى، وإلا لم يحتج إلى ذكر قيد المقارنة لدخوله فى مسماها فيكون تكرارًا (٢).

وهذا التحقيق لا ينافى قول الفقهاء فى تعريفها: هى لغةً القصد، وشرعًا قصد الشئ مقترنًا بفعله؛ لأن قولهم: "هى لغة القصد" ليس المراد منه أن هذا المعنى خاص باللغة وليس متفقًا فى الشرع، بل هو مستعمل فيه أيضًا، فكثير ما يستعمل لفظ النية فى لسان الشرع مرادًا به القصد، كقولهم: تجب نية الصوم. فالنية فيه بمعنى قصد الصيام قبل دخول وقته الذى أوله طلوع الفجر، وهو العزم الذى هو أحد نوعى القصد الذى هو معنى النية، فهذا المعنى شرعى أيضًا، أى إرادة أهل الشرع من لفظ النية، فلم يخالف اللغة.

وقولهم "شرعًا" ليس المراد منه أن هذا المعنى غير لغوى؟ لأنه أحد نوعى القصد المتقدم. وكثيرًا ما استعمل العرب لفظ النية مرادًا به المعنى المذكور، فهو لغوى


(١) نهاية الإحكام ص ٨.
(٢) المرجع السابق.

<<  <  ج: ص:  >  >>