فقد مزج بين المصالح الدينية والدنيوية مزجا محوره سعادة الناس ومبناه الفضيلة بأتم معانيها، وليس لهذا من نظير حتى فى أرقى القوانين الوضعية. فهو إذن تام الأصول والأحكام، لم يدع شاردة ولا واردة إلا بينها، كل ذلك لينتظم أمر الحياة ويعيش المرء عيشة منتظمة يتفرغ منها لإعداد الزاد ليوم الميعاد.
ولقد دونت فى ذلك كله كتب نافعة، ومصنفات جامعة، تحتوى آراء أصحاب المذاهب وأقوال متبعيهم، وترجيحات مرجحيهم، حتى أصبحت المكتبة الفقهية الإسلامية غنية بهذه الثمرات الطيبة من آثار السلف التى تعد من أعظم مفاخر المسلمين، والتى شهد لها العالم كله، واقتبس منها واضعوا قوانينه فى الشرق والغرب، حتى أننا لنستطيع أن نقول إنه ما من تشريع وضعى عادل عرفه العالم إلا وهو مستمد من مذهب من مذاهب الفقهاء المسلمين، أو مندرج تحت قاعدة كلية، أو نص عام، أو خاص من نصوص الشريعة.
فالفقه الإسلامى إذن بأصوله وقواعده ومذاهبه هو المصدر الأعظم للتقنين والتشريع فى مختلف العصور، وكتبه ومصنفاته هى المراجع الأصلية لكل من أراد أن يستقى المنابع الصافية الشافية.
ومن الأدلة على ذلك، ما أقره مؤتمر القانون الذف عقد فى "لاهاى" سنة ١٩٣٨ م، فقد تقرر فيه اعتبار الشريعة الإسلامية مصدرًا مهمًا من مصادر التشريع وذلك بعد أن أشاد الأعضاء الأجانب -على اختلاف مللهم- بأحكام تلك الشريعة.
ولقد آمن بذلك فى أيامنا كثير ممن كانوا لا يؤمنون به من قبل، واتجهت الأنظار إلى هذا الفقه الإسلامى رغبة فى الإفادة منه، والتعويل عليه، والاقتباس من أحكامه فى مختلف مذاهبه.
ولئن طغى فى عصرنا سيل الأفكار الأجنبية حينًا من الزمان، لاسيما فيما يمس تعاليم الإسلام، فإنه سرعان ما برزت إلى الوجود نهضة علمية وثَّابة، وهمة جبارة ترد الحق إلى نصابه، وتبين متاهات الضلال.
غير أننا قد وجدنا البعض يردد: "قد يحول دون الانتفاع بهذا التشريع الفقهى. . صعوبة الكتب التى احتوته من ناحية الترتيب، والتبويب، بل وصعوبة الحصول على مراجعه الأصيلة؛ فإن أغلبها -بل وأثمنها مادة- ما زال مخطوطًا