تصنيفًا وجمعًا وتنقيحًا وشرحًا وانتقاءً. فكان ذلك من أعظم الأسباب في حفظ السنة نقيةً واضحةً مصونة عن عبث كل عابث وبه انغلق الباب على من يريد الاعتداء على الشريعة.
وكتاب مصابيح السنة للإمام المحدث المفسر الفقيه محيي السنة أبي محمد الحسين بن مسعود الفراء البغوي من أنفع الكتب التي اعتنى مؤلفوها بحسن الجمع والانتقاء والتبويب، فصار محل اعتناء العلماء لأنهم وجدوه من أفضلها وأوفاها مادةً وأكثرها فائدةً، فاعتنى به العلماء شرحًا وتخريجًا وزيادةً وانتقادًا، وكل عالم يريد إكمال ما يراه لازمًا من إضافةٍ أو شرحٍ أو إيضاح غامض أو استدراك. ومن هؤلاء العلّامة صدر الدين أبو المعالي محمد بن إبراهيم بن إسحاق بن إبراهيم المناوي الشافعي الذي ألف كتاب (كشف المناهج والتناقيح في تخريج أحاديث المصابيح) وهو كتابٌ حقيقته أوسع من عنوانه، إذ إن عنوانه يوهم أنه مجرد تخريج لأحاديث المصابيح بينما حقيقةُ الأمر أنه تخريجٌ ونقدٌ، وإيضاحُ مبهمٍ، وشرحُ مغلقٍ ونقلٌ لما تدعو الحاجة إلى نقله من خلاف، مع ترجيح ما يترجح لديه، فهو كتابٌ جديرٌ بأن يقتنى خليقٌ بأن يرجع إليه في الأحكام والعقائد، ولا أحب أن أسهب في وصفه فإن مخبره يفوق وصفه بسطورٍ وكلمات. وقد تولى تحقيقه وإظهاره من خزائن المكتبات الخطية إلى مجال العرض والمراجعة والدراسة والاستفادة فضيلة الدكتور محمد إسحاق محمد إبراهيم أحد رجال الحديث المهتمين به، الحريصين على إبراز مكنونات السنة وتسهيل تناولها للدارسين، إذ هو أحد أساتذة هذا الفن والمعتنين به في فترة تدريسه مادة الحديث في كليات جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، هذه الجامعة العريقة المتفوقة في خدمة علوم الشريعة وتدريسها. وقد رغب مني كتابة مقدمة للكتاب وألح عليَّ في ذلك، ولأني أعلم أن الحديث عن كتابٍ كهذا يستدعي مراجعةً له وتتبعًا لمضامينه فاعتذرت، لكنه أكد عليَّ بأن أقوم بكتابة مقدمةٍ ولو مختصرة، ولأن ذلك نافعٌ