(٢) "ثلاثة لهم أجران رجل من أهل الكتاب". المراد بأهل الكتاب في هذا الحديث: هم الذين كانوا على الحق في شرعه عقدًا وفعلًا، ثم لم يزل متمسكًا بذلك إلى أن جاء نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - فآمن به، واتبع شريعته، فهذا الذي يؤجر على اتباع الحق الأول والحق الثاني، ويؤيد هذا المعنى ما رواه الطحاوي بإسناده -عن الشعبي عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "ورجل من أهل الكتاب آمن بنبيه ثم أدرك النبي فآمن به" (مشكل الآثار (٢/ ٣٩٤) وذكر الحافظ ابن حجر أنه يدخل في هذا الحكم من دخل في اليهودية ولم تبلغه دعوة عيسى عليه السلام، ثم أورد إشكالًا على هذا القول وهو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لهرقل: "أسلم يؤتك الله أجرك مرتين" وهرقل كان ممن دخل في النصرانية بعد التبديل ثم أجاب عنه في موضع آخر باحتمال أن يكون إيتاؤه الأجر مرتين لإسلامه لأنه يكون سببًا لدخول أتباعه ونقل عن شيخه العراقي بأن من دان دين أهل الكتاب دخل في حكمهم. ويبدو -والله أعلم- أن الحديث يشمل من دخل في النصرانية بعد التحريف لأمور منها: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال هذا الحديث لأهل زمانه من اليهود والنصاري وحالهم في التحريف والتبديل معلوم، ومنها: حديث كتاب النبي - صلى الله عليه وسلم - لهرقل: "أسلم يؤتك الله أجرك مرتين"، ومنها أن الكافر يكتب له أجر عمله الصالح إذا أسلم فهذا من جنسه، فالإيمان المذكور في قوله: (آمن بنبيه) إيمان مجمل ولو مع التحريف، قال الطيبي: فإن قلت: أي فائدة في ذكر (آمن بنبيه) وقد علم ذلك من قوله: (من أهل الكتاب) قلت: يشعر بعلية الأجر أي سبب الأجر (الإيمان بالنبيين). والحديث عام في اليهود والنصاري وذهب إليه الطيبي وقال: ويحتمل إجراء الحديث على عمومه. إذ لا يبعد أن يكون طريان الإيمان بمحمد - صلى الله عليه وسلم - سببا لثوابه على الإيمان السابق وسببا بقبول تلك الأعمال والأديان وإن كانت منسوخة كما ورد في الحديث أن مبرات الكفار وحسناتهم مقبولة بعد إسلامهم، أ. هـ. أما قوله سبحانه {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ} فلفظه عام ومعناه خاص أي المنزل من عند الله والمراد به التوراة والإنجيل كما تظاهرت به نصوص الكتاب والسنة حيث يطلق أهل الكتاب، ويؤيد العموم بما رواه أحمد في مسنده (٥/ ٢٥٩) عن أبي أمامة مرفوعًا قال: "من أسلم من أهل الكتاب فله أجره مرتين وله ما لنا وعليه ما علينا .... " فالقول بعموم الحديث أظهر =