للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بالنوافل حتى أحببته، فكنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينّه، وإن استعاذني لأعيذنَّه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله تردُّدي عن نفس المؤمن، يكره الموت، وأنا أكره مساءته".

قلت: رواه البخاري في الرقائق من حديث عطاء عن أبي هريرة يرفعه. (١)

وآذنته: بالمد وفتح الذال المعجمة أي أعلمته، وسئل بعض العلماء عن هذا الحديث فقال: كنت أسرع إلى قضاء حوائجه، من سمعه في الاستماع وبصره في النظر، ويده في اللمس، ورجله في المشي، وقال أبو سليمان الخطابي (٢): هذه أمثال ضربها الله، والمعنى: توفيقه في الأعمال التي يباشرها بهذه الأعضاء، يعني تيسير عليه فيها سبيل ما يحبه ويعصمه من مواقعة ما يكرهه من إصغاء إلى اللغو بسمعه، والنظر إلى ما نهى عنه ببصره، وبطش ما لا يحل بيده، وسعي في الباطل، وقد يكون معناه: سرعة إجابة الدعاء، والإنجاح في الطّلِبَة وذلك أن مساعي الإنسان إنما تكون بهذه الجوارح الأربعة. قوله: وما ترددت في شيء هو أيضًا مَثَل، فإن التردد على الله تعالى على ما هو صفة المخلوقين غير جائز، والبداءُ عليه في الأمور غير سائغ، وتأويله على وجهين: أحدهما: أن العبد قد يشرف له أيام عمره على المهلكات، من آفة تنزل به أو داء يصيبه، فيدعوا الله فيشفيه منها، فهو المراد من التردد، حتى يبلغ الكتاب أجله، وهذا على معنى أن الدعاء يرد البلاء، الثاني: أن يكون المراد منه: ترديد الرسل والمعنى: ما ترددت رسلي في شيء أنا فاعله ترددي إياهم في نفس المؤمن، كما روي في قصة موسى وإرسال ملك الموت إليه، ولطم عينه، ثمَّ رده إليه مرة بعد أخرى، وحقيقة المعنى على الوجهين: عطف الله تعالى على العبد، ولطفه به.

قوله: يكره الموت، وأكره مساءته، يريد لما يلقى من كرب الموت وهوله، وليس المعنى أني أكره له الموت؛ لأنَّ الموت يؤدي إلى الرحمة والمغفرة.


(١) أخرجه البخاري (٦٥٠٢). وانظر: الفتح (١١/ ٣٤١).
(٢) أعلام الحديث للخطابي (٣/ ٢٢٥٨ - ٢٢٦٠)