ويصير صلاح الدّين محصورا بين الفرنج وبينهم فيأخذونه ويتلفون من معه. ووافقه على ذلك جماعة.
وبعث رجلا بالكتاب إلى الفرنج بعد ما جعله فى نعل كى لا يعثر عليه. فلمّا وصل الرّجل إلى البئر البيضاء (١) قريبا من بلبيس، ظفر به بعض أصحاب صلاح الدّين ومعه نعلان جديدان فى يده، فارتاب لما رآه من سوء حاله وحسن النّعلين، وعلم أنّهما لا يليقان به، ولو كانا من ملابسه لكان تبيّن فيهما أثر الاستعمال. فأخذهما منه وفتحهما فوجد فيهما الكتب إلى الفرنج، فتقرّب بذلك إلى صلاح الدّين، وحضر بالرّجل والكتب إليه؛ فكتم ذلك، وتتبّع من كتب الكتب حتى أحضر إليه برجل يهودىّ، فلمّا خاف منه أسلم وأخبره الخبر.
فبلغ ذلك مؤتمن الخلافة وخشى على نفسه، فلزم القصر وامتنع من الخروج مدّة وصلاح الدّين لا يلتفت إليه، فاغترّ بإعراضه عنه وخرج إلى منظرة له على النّيل، بستان بناحية الخرقانيّة قريبا من قليوب. فأرسل إليه صلاح الدّين بجماعة من أصحابه هاجموه وقتلوه، وصاروا إليه برأسه، وذلك فى يوم الأربعاء لخمس بقين من ذى القعدة؛ وجعل زمام القصور عوضه الطّواشى بهاء الدين قراقوش الأسدى. فغضب لقتله السّودان وحرّك منهم ما كانوا يتكتّمونه؛ فاجتمعوا لحرب صلاح الدّين فى سادس عشريه، صبيحة قتل مؤتمن الخلافة، وقد صاروا فى جمع كثير من الأمراء المصريّين وعوامّ البلد يزيد على الخمسين ألفا، وزحفوا إلى دار الوزارة.
فبدر إليهم فخر الدّين شمس الدّولة توران شاه، وركب صلاح الدّين بعساكره وقد تجمّعت الرّيحانية والجيوشية والفرجيّة ومن انضاف إليها فى بين القصرين، وخرجت إليهم الأرمن؛ فوقع بين الفريقين قتال عظيم استظهر فيه العبيد على الغزّ، والعاضد
(١) قريبة من بلبيس، بينها وبين الخانكة، وعلى الطريق بين القاهرة وغزة، ومكانها اليوم عزبة أبى حبيب بناحية الزوامل فى حوض يعرف إلى الآن باسم حوض البيضاء. وفى معجم البلدان: البيضاء اسم لأربع قرى فى مصر، الأولى من كورة الشرقية (وهى المقصودة هنا)، والثانية غربى النيل بين مصر والإسكندرية، والثالثة من ضواحى الإسكندرية والرابعة قرب المحلة. معجم البلدان: ٣٣٦:٢؛ النجوم الزاهرة: ٤٤:٨: حاشية: ٢؛ مفرج الكروب: ١٧٥:١: حاشية: ٤؛ صبح الأعشى: ٣٧٦:١٤.