للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عن ترك الخطبة بما يخافه من المصريّين. فوردت رسل المستنجد إلى دمشق بالاستحثاث والعزم على إقامة الخطبة بمصر ولا بدّ؛ فرأى نور الدّين أنّ مثل هذا المهمّ لا يقوم به إلاّ نجم الدّين أيّوب، وكان يتولّى قلعة بعلبك، فأرسل إليه وقرّر معه الأمر وسيّره (١).

وكان وصوله إلى القاهرة لستّ بقين من رجب، وقيل فى جمادى الآخرة، فقرّرت له ولاية الإسكندريّة وولاية دمياط والبحيرة (٢). وأقطع الأمير فخر الدّين شمس الدّولة توران شاه، ابن والد الملوك الملك الأفضل نجم الدّين أيوب، قوص وأسوان وعيذاب، وكانت عبرتها يومئذ فى تلك السّنة مائتى ألف دينار وستّة وستّين ألف دينار؛ فاستناب عنه فى قوص الأمير شمس الخلافة محمّد بن مختار.

فيها ثار الأمير عبّاس بن شاذى بمرج بنى هميم (٣)، من أعمال قوص، ومنع رسلان دعمش المتوجّه لجباية خراج قوص من التوجّه، واستباح عسكره.

وفيها أبطل صلاح الدّين الأذان بحىّ على خير العمل محمّد وعلىّ خير البشر، فكانت أوّل وصمة دخلت على الدّولة. ثمّ أمر أن يذكر فى الخطبة يوم الجمعة الخلفاء الرّاشدون أبو بكر وعمر وعثمان ثمّ علىّ، وذلك يوم الجمعة لعشر مضين من ذى الحجّة.


(١) وجاء فى الرسالة التى حملها نجم الدين معه من نور الدين إلى صلاح الدين بهذا الصدد: «وهذا أمر تجب المبادرة إليه لنحظى بهذه الفضيلة الجليلة والمنقبة النبيلة قبل هجوم الموت، وحضور الفوت، لا سيما وإمام الوقت متطلع إلى ذلك بكليته، وهو عنده من أهم أمنيته». كتاب الروضتين: ٤٦٦:١، نقلا عن ابن أبى طى. وإمام الوقت أبو المظفر يوسف المستنجد بالله ابن أبى عبد الله محمد المقتفى لأمر الله. تولى خلافة العباسيين بين سنتى ٥٥٥ - ٥٦٦ «(١١٦٠ - ١١٧٠).
(٢) مدح عمارة اليمنى صلاح الدين بمناسبة وصول والده وإخوته من الشام، فقال من قصيدة:
صحت به مصر، وكانت قبله … تشكو سقاما لمن يعن بطبيب
عجبا لمعجزة أتت فى عهده … والدهر ولاد لكل عجيب!
رد الإله به قضية يوسف … نسقا على ضرب من التقريب
جاءته إخوته ووالده إلى … مصر على التدريج والترتيب
فاسعد بأكرم قادم، وبدولة … قد ساعدتك رياحها بهبوب
كتاب الروضتين: ٤٦٣:١. وقد قام نور الدين بنشاط عسكرى بالشام قصد به تأمين قافلة نجم الدين أيوب وأهله ومن معه فى رحيلهم إلى مصر، وتجد تفصيل هذا النشاط فى كتاب الروضتين: ٤٦٤:١ - ٤٦٦. وسيرد فى أخبار سنة ست وستين وخمسمائة نبأ تحرك هذه القافلة، ويرد كذلك فى الروضتين مرة أخرى: ٤٨٦:١
(٣) بلدة شرقى النيل من أعمال الصعيد يسكنها عرب من بلى (بتشديد الياء) معجم البلدان: ١٧:٨.