للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأمسك طبيبه المعروف بابن السّديد (١) عن الحضور إليه، وامتنع من مداواته (٢)، وخذله مساعدة عليه للزّمان، وميلا مع الأيّام.

وفيها نزل نجم الدّين أيّوب بجماعة معه إلى الجامع وأمر الخطيب ألاّ يذكر العاضد، وقال إن ذكرته ضربت عنقك. فقال لمن أخطب؟ فقال للخليفة المستضيء بأمر الله العبّاسى. فلمّا خطب لم يذكر العاضد ولا غيره، بل دعا للأئمة المهديّين والملك النّاصر.

فقيل له فى ذلك، فقال: ما علمت اسم المستضيء ولا نعوته، وفى الجمعة الثّانية أفعل ما يجب فعله وأذكره. فلمّا بلغ العاضد ذلك قال فى الجمعة الأخرى يعيّنون اسم الرّجل المخطوب له.

فلمّا كانت الجمعة الثانية، وهى سابعه (٣)، خطب باسم الخليفة المستضيء بأمر الله أبى محمّد الحسن بن المستنجد بالله أبى المظفّر يوسف بن المقتفى لأمر الله أبى عبد الله محمّد ابن المستظهر بالله. وقطعت الخطبة للعاضد لدين الله فانقطعت ولم تعد بعدها إلى اليوم الخطبة للفاطميّين.

وذلك أنه لمّا ثبتت قدم صلاح الدّين بالدّيار المصريّة وأزال المخالفين له، وضعف أمر الخليفة العاضد بقتل رجاله وذهاب أمواله، وصار الحكم على قصره قراقوش، طواشى أسد الدّين، نيابة عن صلاح الدّين، وتمكّنت عساكر نور الدّين من مصر - طمع فى أخذها.

وكتب إلى صلاح الدّين - وفى ظنّه وظنّ جميع عساكره أنّ صلاح الدّين إنمّا هو نائب عنه فى مصر متى أراد سحبه بإذنه لا يمتنع عليه - يأمره بقطع خطبة العاضد وإقامتها للمستضيء العبّاسى. فاعتذر بالخوف من قيام المصريّين عليه وعلى من معه لميلهم - كان - إلى الفاطميّين، ولأنّه خاف من قطع خطبة العاضد وإقامة الخطبة للمستضيء (٤) أن يسير


(١) القاضى الأجل السديد أبو المنصور عبد الله بن الشيخ السديد أبى الحسن على، كان رئيس أطباء مصر فى عصره، وكان أبوه أيضا طبيبا للفاطميين، سكن فى القاهرة دارا اعتنى بزينتها عند باب زويلة - توفى سنة ٥٩٢. النجوم الزاهرة. ٣٥٧:٥، حاشية: ١.
(٢) فى الأصل: من مكافأته. والتصحيح من النجوم الزاهرة.
(٣) بدأ المحرم من هذه السنة يوم السبت. التوفيقات الإلهامية: ٢٨٤. وبهذا تكون هذه هى الجمعة الأولى منه.
(٤) فى الأصل للمستنجد، وهو لا يتفق مع ما ذكر قبل ذلك بسطرين ولا مع ما سيرد بعد سطور قليلة من حديث مساعدة الأقدار بمرض العاضد مرض الموت. هذا إلى أن المستنجد بالله توفى فى ربيع الثانى من سنة ست وستين وخمسمائة، أى قبل إقامة الخطبة للعباسيين بثمانية أشهر.